للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ليس شرعًا لنا قطعًا؛ وهو ما لم يثبت بشرعنا أصلًا أنه كان شرعًا لهم، ولو ادعوا أنه كان شرعًا لهم، وما ثبت بشرعنا أنه كان شرعًا لهم، إلا أنه نص لنا في شرعنا أنه ليس شرعًا لنا؛ مثل قتل النفس توبة من الذنب، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (١). ومثل ما ثبت أنهم كانوا يقرضون النجاسة بالمقراض. فإن مثل هذه الآصار قد وضع عنا بدليل قوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} (٢). الآية. وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما تلا: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} (٣). الآية، قال الله تعالى: "قَدْ فَعَلْتُ".

أمَّا الواسطة فهي ما إذا ثبت بشرعنا أنه كان شرعًا لهم، ولم ينص لنا في شرعنا على أنه شرع لنا، ولا على عدم ذلك. وقد جرى الخلاف في مثل ذلك، ومنه مسألتنا هذه التي هي موضع البحث، فقال مالك وأحمد وأبو حنيفة: شرع من قبلنا. - والحالة هذه - شرع لنا، بدليل قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (٤). وبدليل قوله تعالى؛ بعد أن ذكر الأنبياء في سورة الأنعام قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (٥). قالوا: ولم تذكر لنا قصصهم إلا للإِعتبار بها، وفائدة الإِعتبار العمل: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (٦).

وخالف الشافعي عليه رحمة الله محتجًا بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (٧). ومجيبًا عن آية الأنعام بأنه إنما أمر بالإِقتداء بهم في التوحيد، فهو المقصود بالهدى بقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. وقال: إن الدين في قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ}. كذلك المراد به التوحيد.

وقد يخفى على الفطن الصواب؛ إذْ خفي على أبي عبد الله القرطبي حتى قال: قال علماؤنا يريد مالكًا في قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}. وهي الآية التي يحتج بها =


(١) سورة البقرة: ٥٤
(٢) سورة الأعراف: ١٥٧.
(٣) سورة البقرة: ٢٨٦.
(٤) سورة الشورى: ١٣.
(٥) سورة الأنعام: ٩٠.
(٦) سورة يوسف: ١١١.
(٧) سورة المائدة: ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>