للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قالوا: يجب تقدير - في ظنِّي. ومن الاقتضاء تقدير صحيحة في قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} (١). قالوا: وكان ابن عباس يقرؤها: كل سفينة صحيحة صالحة.

وإذا لم نقدر هذا الاقتضاء، فكيف جوابنا عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَلا يَجِدُونَ أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ"؟. وكيف جوابنا عن شده هو - صلى الله عليه وسلم - الرحال غازيًا في سبيل الله؟. وشد أصحابه الرحال كذلك في سراياه؟. وكيف جوابنا عن قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (٢).

والحاصل أن حديث: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ". وارد بفضل هذه المساجد على غيرها من المساجد، لأنه لا مضاعفة للأجور إلا فيها، وأنه لا تفاوت للصلاة بغيرها، فالصلاة في مسجد من مساجد الرياض مثلًا، أو من مساجد بغداد، أو أي مدينة من مدائن المسلمين، لا تفاوت بينها في الفضيلة، بحيث يطلب الناذر بنذره حصوله على ذلك الأجر، لذلك فإن من نذر أن يصلي بواحد من المساجد غير الثلاثة، تحلل من نذره بالصلاة في أي مكان من الأرض، بخلاف ما لو نذر الصلاة في واحد من هذه الثلاثة، لو وجب عليه الوفاء بنذره ما لم يكن نذر الصلاة في المفضول منها، حالة وجوده في الفاضل، كما تقدم الكلام عليه آنفًا. وبالله تعالى التوفيق.

تتمة: لا ينعقد النذر في المعصية، ولا يلزمه فيه شيء؛ كمن نذر أن يصوم يوم العيد، ومن نذر نحر ولد. ذهب إلى ذلك جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم ابن عمر، وبه أخذ مالك والشافعي. وقال آخرون: تلزم فيه كفارة يمين، وبه أخذ أحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، واستدلوا بأن امرأة أتت إلى ابن عباس فقالت: إني نذرت أن أنحر ولدي، فقال: لا تنحري ولدك، وكفري عن يمينك. أخرجه مالك في الموطإ. واستدلوا بحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ". أخرجه أبو داود والبغوي، والترمذي وغيرهم. أما أصحابنا والشافعية فإن من أدلتهم حديث عمران بن حصين؛ أن قومًا أغاروا فأصابوا امرأة من =


(١) سورة الكهف: ٧٩.
(٢) سورة المزمل: ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>