= إعلم أن الأفعال قسمان: قسم تتكرر المصلحة بتكرره، وقسم لا تتكرر المصلحة بتكرره. فإن الذي تتكرر المصلحة بتكرره، شرعه صاحب الشرع على كل نفس تكثيرًا للمصلحة بتكرره؛ فهو فرض العين، ومثاله: صلاة الظهر فإن مصلحتها الخضوع لله تعالى وتعظيمه، ومناجاته جل وعلا، والتذلل له، والتفهم لخطابه، والتأدب بآدابه، وهذه المصلحة تكثر كلما تكررت الصلاة.
وأما الذي لا تتكرر المصلحة بتكرره، فقد شرعه صاحب الشرع على الكفاية، نفيًا للعبث في الأفعال. ومثاله: إنقاذ الغريق من البحر، فإن النازل في الماء بعد انتشال الغريق لا يحصل له أية فائدة، وإذًا، فإن مصلحة هذا النزول إلى الماء لا تتكرر بتكرره، وفعل ما ليس فيه مصلحة عبث، فإذا علمت ذلك، فاعلم أن من فروض الكفاية القيام بعلوم الشرع، يعني طلب العلم والنفقة في الدين، إلا ما لا يسع الإِنسان جهله؛ من صفة الوضوء والصلاة والصوم والزكاة، إن كان ممن تجب عليهم الزكاة، فإن معرفة ذلك على الإِنسان من فروض العين. قالوا: ومن كانت فيه أهلية الإِمامة والاجتهاد فطلب العلم واجب في حقه قال المواق: وسئل مالك: أواجب طلب العلم؟. فقال: أما على كل الناس فلا.
ومن ذلك: الفتوى، فهي من فروض الكفاية على المتأهلين، إذا كان السؤال عن الأمر المهم المحتاج إلى بيانه، وجب الجواب كما يجب السؤال. قال شيخ مشائخنا الشيخ محمد الأمين بن أحمد زيدان الجكني: وتتعين على المفتي الفتوى بأربعة شروط: كون السائل سأل عن واقعة دينية يخاف فواتها، وانفرد المفتي، ومعرفته الجواب الصحيح عن اجتهاد أو عن تقليد، فإن انخرم واحد منها كان الجواب فرض كفاية. ا. هـ.
ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}(١). الآية. فهو فرض إسلامي على الكفاية، إذا توفرت شروط وجوبه. قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ". فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب إن أمن الآمر على نفسه وظن فائدة، وعلم أن الذي يأمر به معروف، وأن الذي ينهى عنه منكر قال تعالى: {قُلْ =