(٣) لحديث هشام بن عروة عن أبيه عن زيد بن الصَّلْت أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف، فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل، فقال: والله ما أراني إلا قد احتلمت وما شعرت، وصليت وما اغتسلت. فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام ونضح ما لم ير، وأذن وأقام ثم صلَّى بعد ارتفاع الضحى متمكنًا. ا. هـ. البيهقي. وأخرج البيهقي أيضًا عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب صلى الصبح بالناس، ثم غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلامًا فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق. فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام وأعاد الصلاة. ا. هـ. وهما في الموطإ.
قلت: وفي غسله لما رأى من الاحتلام في ثوبه دليل لمن يقول إن المني نجس وهو مذهبنا، وبالله تعالى التوفيق.
(٤) قال ابن قدامة في المغني: فإن خرج شبيه المنيِّ لمرض أو برد لا عن شهوة فلا غسل فيه. وهذا قول أبي حنيفة ومالك. وقال الشافعي: يجب به الغسل ويحتمله كلام الخرقي. ا. هـ. منه.
وفي منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأبرار ما نصه: ولأحمد فقال: "إِذَا حَذَفْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإذَا لَمْ تَكنْ حَاذِفًا فَلَا تَغْتَسِلْ". قال الشوكاني في الكلام على هذا الحديث بعد ما أنهى الكلام على صنده، ما نصه: قوله: حذفت، يروى بالحاء المهملة والخاء المعجمة بعدها ذال معجمة مفتوحة ثم فاء وهو الرمي، وهولا يكون بهذه الصفة إلا لشهوة، ولهذا قال المُصَنِّف: وفيه تنبيه على أن ما يخرج لغير شهوة إما لمرض أو لبرد لا يوجب الغسل.
قلت: ومذهب الشافعي هنا أجرى على الدليل؛ حيث إن الشارع -صلى الله عليه وسلم- جعل مناط الغسل خروج الماء ولم يقيد بشيء، فتقييده هنا بخروجه بلذة معتادة يحتاج إلى دليل يجب الرجوع إليه، وليس بالإمكان تقييده بمفهوم قوله في حديث أحمد المتقدم:"فَإذَا لَمْ تَكُنْ حَاذِفًا فَلَا تَغْتَسِلْ" لأن الدلالة فيها لم تبلغ درجة مفهوم المخالفة، نعم في قوله -صلى الله عليه وسلم- "إذَا حَذَفْتَ المَاءَ فَاغْتَسِلْ مِنَ الْجَنَابَةِ" مفهوم صفة، غير أن المذهب عندنا عدم التخصيص والتقييد به، ألا ترى إلى لزوم زكاة المعلوفة عندنا أخذًا.