= من قوله -صلى الله عليه وسلم- في الغنم مثلًا:"فِي كُلِّ أرْبَعِينَ شَاةٌ شَاةٌ" فقد قيدها من لا يرى الزكاة في المعلوفة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فِي الغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاة" وامتنع الإمام مالك عن تخصيص العموم في قوله"فِي كُلِّ أَرْبَعِين شَاةً شَاةً" بمفهوم المخالفة في قوله: "فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زكَاةٌ" لأن المنطوق لا يخصص عنده بالمخالفة، وهكذا يلزم هنا جريًا على أصول الإمام مالك أن لا يخصص قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ" بمفهوم مخالفة "إِذَا حَذَفْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ مِنَ الْجَنَابَةِ". فقد أناط النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوب الغسل برؤية الماء بقوله "نَعَمْ، إذَا رَأَتِ الْمَاءَ" لذلك يجب الغسل بخروج المني على كل حال. والله تعالى أعلم. وهو ولي التوفيق.
(٥) ذكر ابن قدامة في المغني: قال أحمد رحمه الله في الرجل يجامع ولم ينزل فيغتسل ثم يخرج منه المني: عليه الغسل. لكنه ذكر بعد ذلك أن الرِّواية المشهورة عن أحمد أنه لا غسل عليه، قال الخلال: تواترت الروايات عن أبي عبد الله أنه ليس عليه إلا الوضوء. ا. هـ. منه. ويؤيد ما درج عليه المُصَنِّف عندنا ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي عن الزهري في المرأة والرجل يخرج منهما الشيء بعدما يغتسلان، قال: يغسلان فرجيهما ويتوضآن. ا. هـ.
قلت: والذي هو أجرى على الدليل أنه إن جامع فأكسل فاغتسل ثم أمنى بعد ذلك، أنه يغتسل مرة أخرى لاختلاف سببي الغسل هنا، لأن الغسل الأول كان بسبب الإيلاج، والغسل الثاني بسبب خروج المني، وكل منهما سبب مستقل أناط به الشارع وجوب الغسل. والله أعلم وهو الموفق.
(٦) اتفق جميع الفقهاء على وجوب الغسل بمغيب الحشفة من البالغ في الفرج إلَّا ما روي عن داود بن علي من التعلق بحديث: "الْمَاءُ مِن الْمَاءَ" الذي كان رخصة رخص فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أمر بالغسل، قال سهل بن سعد: حدثني أبي بن كعب أن: "الْمَاءُ مِنَ الْمَاءَ" كان رخصة أرخص فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم نهى عنها، متفق عليه، ودليل ما ذهب إليه عامة فقهاء الأمصار من الخلفاء الراشدين فمن بعدهم؛ هو ما أخرجه الشيخان والموطأ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلَّا من الماء الدافق، أو من الماء. وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل. فقال أبو موسى: أنا أشفيكم من ذلك. فقمت فاستأذنت على عائشة، فقلت: يا أماه أويا أم المؤمنين، إنِّي أريد أن أسألك عن شيء وأنا =