= من دخول الثاني، فطالب أولياء الميت بالمولود، وأفادوا علمهم بأن ميتهم توفي عن حمل، وبعد مدة من المطالبة بالمولود - وهو أنثى - أعلن قاضي الناحية حكمه بإلحاق البنت بالميت - وهو الزوج الأول - وأن الثاني تزوج في عدة. وأن عليه لذلك فراقها، وأن أولاده منها له للشبهة، وأن المرأة حرام عليه أبدًا. لقول خليل: وتأبد تحريمها بوطء. فأذعن للفراق، وسألني عن الموضوع، وقد علمت بأخبار الناس عنه أنه يخشى العنت منها، فأجبته بأن الذي حكم به القاضي هو مذهب مالك، إن كان ملتزمًا به، فلا سبيل إلى رجوعها إليه أبدًا، وأما المذاهب الأخرى فإنه فيها أسوة الخطباء.
فكان بعض التعريض بي من أجل ذلك؛ لأني أفتيت بقول خارج المذهب. والحقيقة أن هذا الحكم - الذي هو المذهب - مبني على القاعدتين الأصوليتين اللتين: المعاملة بنقيض القصد الفاسد، التي عقدها في المنهج بقوله.
وبنقيض القصد عاملْ إن فسد … في قاتل موصٍ كذا الذي قصد
فسادًا أْو إفاتة في البيع … نهج عياضٍ ذا بدا لا الرِّبْعي.
والثانية هي قولهم: من استعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه. وقد عقدها في المنهج بقوله:
وشبه ما ذكر والَّذْ قدَّما … شيئًا قبيل وقته قد حرّما
كمتزوج بعدَّة ومَنْ … خلَّقَ في رأي وشِبْهٍ اعلمنْ
فإن كان المدار في هذا الفرع يدور على القصد الفاسد - وهو كذلك بالنسبة لكل شيء - فإنما المدار فيه على النية؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى". وقد علمنا بما لا مجال للشك فيه، بأن الرجل إنما تزوج بالمرأة بعد إعلان العدة، المبنية على تتابع العادة في ميعادها المعروف، وبعد انقضاء أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجها، وهي غرة جاهلة، لا قصد لها، فكيف طبق عليهما أنهما استعجلا شيئًا قبل أوانه؟ وأنهما يجب أن يعاملا بنقيض قصدهما الفاسد، والحال أنهما لا يوجد لهما قصد فاسد؟! وعلى كل حال فالقول بتأبيد التحريم هو المذهب، وخلاف ذلك للجمهور. وبالله تعالى التوفيق. وسوف يأتي مزيد كلام على هذا الموضوع بمحله في العدد بإذن الله تعالى.