للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال تعالى في سورة البقرة: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} (١). قال القرطبي: "أنْ" في موضع رفع بـ"يَحِلُّ". والآية خطاب للأزواج نهوا أن يأخذوا من أزواجهم شيئًا على وجه المضارة. قال: وخص بالذكر ما آتى الأزواج نساءهم؛ لأن العرف بين الناس أن يطلب الرجل عند الشقاق والفساد ما خرج من يده لها صداقًا وجهازًا، فلذلك خص بالذكر. ا. هـ. منه.

وقال تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (٢). ولا يخفاك أن هذا التشنيع جار على المفارق، ومع ذلك فإن القرآن يستعطفه هذا الاستعطاف، ألا ترى أن الزوج الملازم الذي لم يطلق أولى بذلك منه، وأنه أحق أن لا يأخذ مما آتاها شيئًا؟! فإن قيل: إنه لم يأخذ منها شيئًا، ولكنها هي التي اشترت به جهازًا جرت العادة بشرائه. فالجواب: إنها إنما اشترت ذلك على سبيل أنها يلزمها ذلك، وأنها إن لم تأت به طولبت به أمام المحاكم، فصار أخذه منها على هذا القبيل أخذًا عن غير طيب نفس، وإنما أباح الله من صداق المرأة ما طابت نفسها.

وحاصل هذا المبحث أني أبديت به وجه استشكالي لهذا الفرع، الذي هو قول المصنف: ولزمها التجهيز على العادة بما قبضته، فلعل هؤلاء الجهابذة اطلعوا على دليل له لم أطلع عليه، وذلك ظني بهم. والله يغفر لنا ولهم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

على أن الحافظ ابن حجر في الفتح استدل بحديث الواهبة نفسها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال فيه: وأستدل به على جواز استمتاع الرجل بشورة امرأته وما يشترى بصداقها لقوله: "إنْ لَبِسته" مع أن النصف لها، ولم يمنعه مع ذلك من الاستمتاع بنصفه الذي وجب لها بل جوز له لبسه كله. ا. هـ. منه. وهذا لا يرد على استشكالي؛ لأنه لا منازع في جواز تمتعه بشورتها، وما اشترت من صداقها طائبة نفسها بذلك وبدون إلزام لها بذلك، إنما مورد الإِشكال كونها تكلف ببذل ما استحلته ببضعها في شراء جهاز تأتي به لزوجها. والله تعالى الموفق.


(١) سورة البقرة: ٢٢٩.
(٢) سورة النساء: ٢٠ - ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>