= أن المخيرة إذا اختارت زوجها لا يلزمه طلاق؛ لقول عائشة رضي الله عنها: خيّرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاخترناه، فلم يعدَّه علينا طلاقًا. أخرجه الشيخان. وهذا قول عمر بن الخطاب وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وعائشة، ومن التابعين: عطاء، ومسروق، وسليمان بن يسار، وربيعة وابن شهاب.
وقال القرطبي: يؤخذ من الحديث أيضًا أن المخيرة إذا اختارت نفسها، أنها تطليقة يملك زوجها رجعتها؛ لأنه لا يجوز أن يطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخلاف ما أمره الله. وروي هذا عن عمر وابن مسعود وابن عباس، وبه قال ابن أبي ليلى والشافعي. ا. هـ. منه.
وذهب جماعة من المدنيين وغيرهم إلى أن التمليك والتخيير سواء، وأن القضاء ما قضت فيهما جميعًا. قال القرطبي: وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة. قاد ابن شعبان: وقد اختاره كثير من أصحابنا. وهو قول جماعة من أهل المدينة. قال أبو عمر: وعلى هذا القول أكثر الفقهاء، والمشهور من مذهب مالك الفرق بينهما. قال: وتحصيل مذهب مالك: إن المخيرة إذا اختارت نفسها -وهي مدخول بها- فهو الطلاق كله. وإن أنكر زوجها فلا نكرة له. وإن اختارت واحدة فليس بشيء وإنما الخيار البتات؛ إمَّا أخذته وإِمَّا تركته؛ لأن معنى التخيير التسريح. قال الله تعالى:{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}. فمعنى التسريح البتات. قال الله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(١). والتسريح بالإِحسان هو الطلقة الثالثة.
قلت: لكنه قد تقدم لك قريبًا أخذهم من حديث عائشة أن المخيرة إذا اختارت نفسها أنها طلقة يملك زوجها رجعتها، لاستحالة أن يطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخلاف ما أمره الله به، تأمل.
قال القرطبي: واختلفت الرواية عن مالك متى يكون لها الخيار؛ فقال مرة: لها الخيار ما دامت في المجلس، قبل القيابم أو الاشتغال بما يدل على الإِعراض، فإن لم تختر ولم تقض شيئًا حتى افترتا من مجلسهما بطل ما كان من ذلك إليها. وعلى هذا أكثر الفقهاء.
قلت: ويؤيد هذا القول ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، قال: عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول ابن مسعود قال: إذا ملّكها أمرها فتفرَّقا قبل أن تقضي شيئًا فلا أمر لها. وعن: