= والأثر الأول أخرجه أيضًا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يخبر عن القاسم بن محمد، فذكره، وأخرج عبد الرزاق الأثر الثاني عن ابن جريج عن عطاء، فذكر خبر حفصة بنت عبد الرحمن والمنذر بن الزبير.
ولابن رشد في المقدمات مبحث نفيس في هذا الباب، نلخص منه بإذن الله ما يلي: قال: قد اختلف الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من التابعين وفقهاء المسلمين فيمن ملك امرأته أو خيّرها اختلافًا كثيرًا؛ إذ لم يرد في ذلك نص القرآن يرجع إليه، ولا روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثر في ذلك يعول عليه؛ فمنهم مق جعل قضاء إلزوجة ست واحدة أو ثلاث، ومنهم من جعله على ما نواه الزوج مع يمينه، ومنهم من قال: ليس لها من الطلاق شيء، وإن خيّرها زوجها أو ملَّكها. ومنهم من رأى الخيار فراقًا والتمليك طلاقًا؛ قبلت أو ردت. ومنهم من فرق بين التخيير والتمليك؛ فلم ير التخيير شيئًا، ورأى التمليك واحدة بائنة. قال: ولا حجة لأحد منهم على مذهبه من جهة الرأي إلا ويعارضها مثلها، إذ ليس من ذلك في الكتاب والسنة نص يجب التسليم له. ا. هـ. منه باختصار.
قلت: وحيث إن موضوع هذا الكتاب المبارك هو استجلاب الدليل من الكتاب أو من السنة أو من الإِجماع أو غير ذلك من الأدلة المقبولة، وقد علمت فيما نقله العلامة ابن رشد أنه الا يوجد دليل في المسألة، فقد اكتفي في هذا الباب بما تقدم. والله الموفق إلى صراطه المستقيم.
قوله: فصل، أي في أحكام رجعة المطلقة. والرجعة ثابتة بالكتاب والسنة والإِجماع. أما الكتاب، فقد قال تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}. قال ابن قدامة: والمراد به الرجعة عند جماعة العلماء وأهل التفسير.
وقال تعالى:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} الآية، أي الرجعة، ومعناه إذا قاربن بلوغ أَجلهن أي انقضاء عدتهن.
وأما السنة فحديث ابن عمر المتفق عليه:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا". وروى أبو داود عن عمر قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلق حفصة ثم راجعها. ا. هـ.
وقال ابن قدامة: إن ابن المنذر حكى إجماع أهل أرملم أن الحر إذا اطلق الحرة دون الثلاث، أو العبد إذا طلق دون الإِثنتين، إن لهما الرجعة في العدة.