= قال ابن قدامة: ولنا على اباحتها أنه لا يخلو أن يكون تحريمها بالعقد أو بالوطء في النكاح الفاسد أو بهما معًا، وجميع ذلك لا يقتضي التحريم، بدليل ما لو نكحها بلا ولي ووطئها، ولأنه لو زنى بها لم تحرم عليه على التأبيد، فهذا أولى، ولأن آيات الإباحة عامة كقوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}. وقوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ}. فلا يجوز تخصيصها بغير دليل، وما روي عن عمر في تحريمها، فقد خالفه فيه علي؛ فإنه قال: إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب. فقال عمر: ردوا الجهالات إلى السنة. ورجع إلى قول علي. ا. هـ. مغني ابن قدامة.
قلت: ذكر ابن عطية- في صفحة ٣١٢ من المجلد الثاني، طبعة مؤسسة دار العلوم بدولة قطر ما نصه: وحكى ابن الحلَّاب رواية في المذهب أن التحريم لا يتأبد مع الدخول في العدة. ذكرها في العالم بالتحريم المجترئ لأنه زان، وأما الجاهل فلا أعرف فيه خلافًا في المذهب. حدثني أبو علي الحسين بن محمد الغساني مناولة، قال: نا أبو عمر بن عبد البر، نا الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبغ عن محمد بن اسماعيل، عن نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن أشعث، عن الشعبي، عن مسروق، قال: بلغ عمر بن الخطاب أن امرأة من قريق تزوجها رجل من ثقيف في عدتها، فأرسل إليهما ففرق ببنهما، وعاقبهما وقال: لا تنكحها أبدًا. وجعل صداقها في بيت المال، وفشا ذلك في الناس حتى بلغ عليًا فقال: يرحم الله أمير المؤمنين، ما بال الصداق وبيت المال؟ إنما جهلا، فينبغي للإِمام أن يردهما إلى السنة. قيل: فما تقول أنت فيها؟ قال: لها الصداق بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما، ولا جلد عليهما، وتكمل عدتها من الأول ثم تعتد من الثاني عدة كاملة؛ ثلاثة أقراء، ثم يخطبها إن شاء. فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فخطب الناس فقال: أيها الناس رُدُّوا الجهالات إلى السنة. ا. هـ. محل الغرض منه.
قلت: وبهذا السند يتبين أن عمر رضي الله عنه رجع عن فتواه التي هي معتمد مذهب مالك في هذه النازلة، ولعل افيِ مام رحمه الله لم يبلغه رجوع عمر هذا، وإلا فإنه حريص على الحق رجّاع إليه.
هذا، وقد سبق الكلام على هذد المسألة عند قوق المصنف: وتأبد تحريمها بوطء. وبالله تعالى التوفيق.