للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا احتجاجكم بصحّة العين فى نحو: ما أسيره وأطوله، فإنّ التصحيح حصل له من حيث حصل له التصغير، وذلك لحمله على باب أفعل، الذى للمفاضلة، فصحّح كما صحّح، ومن حيث غلب عليه شبه الأسماء، بإلزامه وجها واحدا، وليس الشّبه الغالب على الشىء بمخرجه عن أصله؛ ألا ترى أن الأسماء التى لا تنصرف لمّا غلب عليها شبه الفعل، لكونها ثوانى من جهتين، منعت التنوين والجرّ، كما منعهما الفعل، ولم يخرجها شبهها بالفعل عن أن تكون أسماء، وكذلك تصحيح العين فى نحو: ما أبيع زيدا، وما أجوله فى البلاد، حصل له من طريق قوّة المشابهة بينه وبين الاسم، وغير جائز أن يحكم له بالاسميّة لحصول (١) ذلك فيه، على أن تصحيحه غير مستنكر، لأنه قد وردت أفعال متصرّفة مصحّحة، كقولهم: أغيلت المرأة تغيل، إذا سقت ولدها/الغيل، وأغيمت السماء تغيم، واستنوق الجمل يستنوق، واستتيست الشاة تستتيس، إذا غلب عليها شبه التّيس، واستحوذ يستحوذ، وفى التنزيل: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} (٢) و {اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ} (٣) وقالوا: أجودت وأطيبت وأطولت، قال:

صددت فأطولت الصّدود وقلّما ... وصال على طول الصّدود يدوم (٤)

وقالوا من العويل: أعول يعول، وإنما جعلوا التصحيح فى هذه الأفعال منبهة على الأصل، وإذا كان التصحيح قد جاء فى الفعل المتصرّف مع بعده من الاسم، فما ظنّك بما أزيل عن التصرّف.


(١) فى د: بحصول.
(٢) سورة النساء ١٤١.
(٣) سورة المجادلة ١٩.
(٤) ينسب للمرّار بن سعيد الفقعسىّ الأسدى، ولعمر بن أبى ربيعة، وهو فى ملحق ديوانه ص ٥٠٢، وتخريجه فى كتاب الشعر ص ٩١، وضرورة الشعر ص ١٩٣، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الثامن والستين منسوبا للمرّار.