للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خروج اللّسان وفتح البنان ... أحبّ إليّ من المنطق

قال أبو الفتح عثمان فى قول أبى الطيّب (١):

من لى بفهم أهيل عصر يدّعى ... أن يحسب الهنديّ فيهم باقل

فى هذا البيت شيء يمكن أن يتعلّق به عليه، وذلك أنّ باقلا لم يؤت من سوء حسابه، وإنما أتى من سوء عبارته، فكان ينبغى أن يذكر مع سوء العبارة الخطابة والفصاحة، لأنّ سوء العبارة والفصاحة ضدّان، ولا يذكر مع عيّ اللسان جودة الحساب؛ لأنهما ليسا ضدّين، ولو قال:

أن يفحم الخطباء فيهم باقل

ونحو ذلك، كان أسوغ.

وقال من (٢) ردّ على ابن جنّى: ليس الأمر كما قال، فإنّ باقلا كما أتى من سوء البيان أتى من الجهل بعقد البنان، فإنه لو ثنى (٣) من سبّابته وإبهامه دائرة، ومن خنصره عقدة، لم تفلت منه الظّبية، فقد صحّ قوله فيما نسبه إليه من الجهل بالحساب.

وأقول: إنّ أبا الطيّب إنما ذكر حساب الهند؛ لأنه مما يعزب لدقّته عن كثير من الأفهام الجليّة والقلوب الذكيّة، وباقل كان فى الطبقة العليا من البلادة، والحساب الهنديّ يتعذّر فهمه على العربيّ الذكيّ، فكيف البليد منهم العيىّ (٤)!

...


(١) ديوانه ٣/ ٢٦٠، ونقدة المتنبى يعيبون عليه شيئا آخر فى هذا البيت، وهو تصغير «أهل» فهو مسترذل هنا. راجع الرسالة الموضحة ص ٣٣، ورسالة الغفران ص ٣٤٦، والصبح المنبى ص ٣٩٠.
(٢) هو أبو الحسن الواحدىّ، فى شرحه على المتنبى ص ٢٧١، وجاء التصريح بنسبة هذا الردّ إليه فى شرح الديوان المنسوب إلى العكبرى، الموضع المذكور فى تخريج البيت. وانظر دراستى ص ١٥٣.
(٣) فى الواحدى والشرح المنسوب للعكبرى: بنى.
(٤) فى د: الغبىّ.