للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأقول: إن قولهم: «لا نولك أن تفعل كذا» لمّا كان «نولك» بمعنى الفعل الذى هو ينبغى، لم يكرّروه وإن كان معرفة، كما لم يكرّروا الفعل فى:

لا ينبغى لك أن تفعل، وكذلك كلّ فعل تنفيه لا يلزم تكريره، كقولك: لا يخرج زيد اليوم، وكقوله تعالى: {لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ} (١) و {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} (٢).

وقوله: كما حمل يذر على يدع لاتفاقهما فى المعنى، أراد: أنّ يدع أصله يودع، مكسور الدال، فحذفوا واوه لوقوعها بين ياء وكسرة، كما حذفوها فى يعد، فصار فى التقدير: يدع مثل يعد، ثم فتحوا عينه التى هى الدال؛ لأنّ لامه وهى العين، حرف حلقيّ، ومتى كانت لام الفعل أو عينه حرفا من حروف الحلق، وهى الغين والخاء والعين والحاء والهمزة والهاء، فإنه يجيء فى الأغلب على فعل يفعل، بفتح العين فى الماضى والمستقبل، كقولهم: صنع يصنع ومنع يمنع ورفع يرفع وجبه يجبه وسلخ يسلخ وسلح يسلح، فهذا مثال ما لامه حرف حلق.

وأمّا مثال ما عينه الحلقيّ، فنحو: شغل يشغل وفعل يفعل ومحق يمحق وثأر يثأر/وبهر يبهر وفغرفاه يفغره.

وإذا عرفت هذا ولم تجد فى «يذر» حرفا حلقيّا يستحقّ به أن تفتح عينه، وكان قياسه يذر، بكسر الذال، علمت أن ذاله فتحت حملا على دال «يدع» لاتّفاقهما فى المعنى (٣).

ومثل تكرير المعرفة فى قولهم: لا زيد عندى ولا عمرو، تكرير النكرة إذا فصل بينها وبين «لا» فوجب رفعها فى نحو: لا فى الدار رجل ولا امرأة، كما جاء فى التنزيل {لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ} (٤) وذلك أن التكرير لا يلزم إذا ركّبت


(١) سورة النساء ١٤٨.
(٢) سورة الأنعام ٩٠، والشورى ٢٣.
(٣) راجع المجلس الرابع والأربعين.
(٤) سورة الصافات ٤٧.