للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عائدا إلى «ما» الخبرية، ظاهرا فى نحو: عجبت مما أخذته، وممّا جلبه زيد، ومقدّرا، فى نحو {فَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ} (١).

فإن احتجّ للأخفش بأن الفعل الذى لا يتعدّى إلى مفعول به يتعدّى إلى مصدره، كما يتعدّى الفعل المتعدّى إلى المفعول به إلى مصدره، والفعل إذا ذكر دلّ بلفظه على مصدره، فنقدّر إذن ضميرا يعود على الضّحك فى قولنا: عجبت مما ضحكت، وضميرا يعود على النوم، فى قولنا: عجبت مما نام زيد، ويجوز أن نبرز هذا الضمير، فنقول: عجبت مما ضحكته، ومما نامه زيد.

فهذا قد أفسده النحويّون بقول الله تعالى: {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ} (٢) /فى قراءة من ضمّ ياءه وشدّد ذاله، وقالوا: لا يخلو الضمير المحذوف من قوله {يَكْذِبُونَ} أن يعود على القرآن، أو على النبيّ، أو على المصدر، الذى هو التكذيب، فإن أعدناه إلى القرآن أو النبىّ، فقد استحقّوا بذلك العذاب، وإن أعدناه إلى التكذيب، لم يستحقّوا العذاب؛ لأنهم إذا كذّبوا التكذيب بالقرآن وبالنبيّ كانوا بذلك مؤمنين، فكيف يكون لهم عذاب أليم بتكذيب التكذيب (٣)؟

والضّرب التاسع: أن تكون كافّة للعامل عن عمله، فمن ذلك كفّها الأحرف الستّة، إنّ وأخواتها عن عملهنّ، فإمّا أن يرتفع الاسم بعدهنّ بالابتداء، أو تقع بعدهنّ الجملة الفعليّة، فمثال الأول فى التنزيل: {إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ} (٤) و {إِنَّما}


(١) سورة النحل ١١٤.
(٢) سورة البقرة ١٠، وقراءة ضمّ الياء وتشديد الذال لنافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر، وقرأ عاصم وحمزة والكسائى: يَكْذِبُونَ بفتح الياء وتخفيف الذال. السبعة ص ١٤٣، والكشف ١/ ٢٢٧ - ٢٢٩، وانظر أيضا ص ٤٣٠، فى سياق الآية (٣٣) من سورة الأنعام.
(٣) حكى هذا عن ابن الشجرى، ابن هشام، ثم تعقّبه بقوله: «وهذا سهو منه ومنهم؛ لأنّ كذّبوا ليس واقعا على التكذيب، بل مؤكّد به؛ لأنه مفعول مطلق، لا مفعول به، والمفعول به محذوف أيضا، أى بما يكذّبون النبىّ أو القرآن تكذيبا، ونظيره: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً. المغنى ص ٣٠٦.
(٤) سورة طه ٩٨.