للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقول المتنبّى:

بحبّ قاتلتى والشّيب تغذيتى ... هواى طفلا وشيبى بالغ الحلم (١)

في موضع «هواى وشيبى» من الإعراب قولان، الأول: أنهما مبتدءان، وطفلا وبالغ الحلم، حالان سدّا مسدّ الخبرين، والتقدير: هواى إذ كنت طفلا، وشيبي إذ كنت بالغ الحلم، كما تقول: انطلاقك مسرورا، وشربك السّويق ملتوتا، أى إذ كنت مسرورا، وإذا كان ملتوتا، وإنما يقدّر «إذ وإذا» على ما قرّرته بحسب ما يقتضيه الكلام من المضىّ والاستقبال، و «كان» المضمرة هاهنا هى/ المكتفية بمرفوعها (٢).

والقول الثانى: أنّ «هواى وشيبى» مجروران على البدل من «حبّ قاتلتى» و «الشّيب»، كما تقول: مررت بأخيك وغلامك زيد وخالد، فالتقدير: تغذيتى بحبّ قاتلتى والشّيب (٣)، بهواى طفلا، وبشيبي بالغ الحلم، ويعمل فى الحالين على هذا القول المصدران، كأنك قلت: بأن هويت طفلا، وبأن شبت بالغ الحلم، وهذا قول عليّ بن عيسى الرّبعىّ، والأول قول ابن (٤) جنّى، وكلا القولين سديد.

وإضافة «بالغ» إلى «الحلم» كإضافته فى قول الله جلّ ثناؤه: {هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ} (٥).

...


(١) فرغت منه فى المجلس الحادى عشر.
(٢) راجع (المسألة الثامنة) من المجلس السابع والثلاثين.
(٣) فى ط، د: «وبالشيب».
(٤) بمعناه فى الفتح الوهبى ص ١٤٧، وشرح الواحدى ص ٥٣.
(٥) سورة المائدة ٩٥، ويريد ابن الشجرى بالتنظير هنا: أن الإضافة فى هذا الموضع إضافة لفظية أو غير محضة-لا تفيد تخصيصا ولا تعريفا، وأن المعنى: بالغا الحلم، وبالغا الكعبة، وحذف التنوين تخفيفا. قال أبو إسحاق الزجاج: «لفظه لفظ معرفة، ومعناه النكرة، المعنى بالغا الكعبة؛ إلاّ أن التنوين حذف استخفافا». معانى القرآن ٢/ ٢٠٨.