للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهما لم يستسقيا فى الحقيقة ماء، وإنما استطلق أحدهما أسيرا، وطلب الآخر عطاء؛ ولذلك سمّوا السّائل والمجتدى مستميحا، أخذوه من الميح، وهو أن يجمع المائح الماء فى الدّلو، والمائح: الذى ينزل إلى البئر فيملأ الدّلاء.

ثم إن سباع الطير قد تلغ فى الدّماء، ولذلك قال أبو تمام:

بعقبان طير فى الدّماء نواهل

والنّهل لا يكون إلاّ من المشروب دون المطعوم. وقد كرّر أبو الطيّب هذا المعنى فغيّره وألطف، فجاء كالمعنى المخترع، قال (١):

تفدّى أتمّ الطير عمرا سلاحه ... نسور الملا أحداثها والقشاعم

وما ضرّها خلق بغير مخالب ... وقد خلقت أسيافه والقوائم

وذكر الطير فى موضع آخر، فأحسن وجاء بما لم يسبق إليه فقال (٢):

يطمّع الطّير فيهم طول أكلهم ... حتى تكاد على أحيائهم تقع

ومن مستحسن ما قيل فى هذا المعنى قوله أيضا فى وصف جيش:

وذى لجب لا ذو الجناح أمامه ... بناج ولا الوحش المثار بسالم (٣)

قال أبو الفتح: أراد أن الجيش يصيد الوحش، والعقبان فوقه تسايره فتخطف الطير أمامه.


= فيها، كما نبّهت عليه. وقد خطّأ البغدادىّ هذه النسبة فى الخزانة ٦/ ٢٠٧، والبيتان لراجز جاهلىّ من بنى أسيّد بن عمرو بن تميم، وقد استفاضت بهما كتب الأدب والنحو واللغة. انظر الخزانة ٦/ ٢٠٠ وحواشيها، ومعانى أبيات الحماسة ص ٢٦٢، وإصلاح ما غلط فيه أبو عبد الله النمرى ص ٧٦ - ٧٨.
(١) ديوانه ٣/ ٣٧٩، وشرح مشكل شعر المتنبى ص ٢٤٠، والفتح على أبى الفتح ص ٢٨٧، وتفسير أبيات المعانى من شعر أبى الطيب ص ٢٣٩.
(٢) ديوانه ٢/ ٢٢٥، والصناعتين ص ٢٢٦، ونسبه لبعض المحدثين. وسيعيده المصنّف فى المجلس الأخير.
(٣) ديوانه ٤/ ١١٣.