للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه ثلاثة أقوال مختلفة، كما ترى، ولا يمتنع أن يجيب المسئول بأجوبة مختلفة فى أوقات متغايرة.

والرابع: قول أبى علىّ بن فورجة، قال: هذه «ما» التى تصحب «كأنّ» إذا قلت: كأنّما زيد الأسد (١)، وإليه ذهب أبو زكريّا، قال: أراد: أمط عنك تشبيهى بأن تقول: كأنّه الأسد، وكأنما هو اللّيث. وهذا القول أردأ الأقوال وأبعدها من الصّواب؛ لأنّ المتنبي قد فصل «ما» من «كأنّ»، وقدّمها عليه، وأتى فى مكانها بالهاء، فاتّصال «ما» بكأنّه غير ممكن لفظا ولا تقديرا، وهى مع ذلك لا تفيد معنى إذا اتّصلت بكأنّ، فكيف إذا انفصلت منه وقدّمت عليه، وهى فى الأقوال الثلاثة المحكيّة عن المتنبّى منفصلة قائمة بنفسها تفيد معنى، فهى فيما رواه أبو الفتح استفهاميّة، وفيما رواه علىّ بن عبد العزيز الجرجانىّ نافية، وفيما رواه الرّبعىّ تعجّبيّة. والكافّة إنما تدخل لتكفّ عن العمل، لا لمعنى تحدثه، فهى بمنزلة «ما» الزائدة.

ثم إنّ هذين اللفظين اللذين قد مثّل بهما أبو زكريّا، فقال: كأنّه الأسد، وكأنما هو الليث، قد أتى فيهما بأداة التشبيه التى هى «كأنّ» وحدها؛ لأنّ معنى كأنّه وكأنما هو واحد، فلا فرق بينه وبين أن تقول: أمط عنك تشبيهى بكأنّ وكأنّ، فهو فاسد من كلّ وجه.

يقال: ماط الله (٢) عنك الأذى، وأماطه، أى أزاله، وماط الشىء: زال، ومطه عنك، وأمطه: نحّه وأزله، ومط عنّى: تنحّ وزل. استعملوا ماط لازما ومتعديا.

وقوله: «تشبيهى» أراد: تشبيهك إيّاى، فحذف الفاعل، وهو الكاف،


(١) حكاه ابن فورجة عن أبى العلاء المعرّى، قال: «وليس مما استنبطته». الفتح على أبى الفتح ص ٢٤٨، وانظر أيضا تفسير أبيات المعانى ص ٢٠٤،٢٠٥.
(٢) فعلت وأفعلت لأبى حاتم ص ١٠٥.