للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانى: أن العرب قد استعملت «لعلّ» مجرّدة من الشكّ، بمعنى لام كى، فالمعنى: لتعقلوا ولتذكّروا ولتتّقوا، وعلى ذلك قول الشاعر:

وقلتم لنا كفّوا الحروب لعلّنا ... نكفّ ووثّقتم لنا كلّ موثق (١)

فلما كففنا الحرب كانت عهودكم ... كلمع سراب فى الملا متألّق

المعنى: كفّوا الحروب لنكفّ، ولو (٢) كانت «لعلّ» هاهنا شكّا لم يوثّقوا لهم كلّ موثق [وهذا القول عن قطرب (٣)].

والثالث: أن يكون «لعلّ» بمعنى التعرّض للشيء، كأنه قيل: افعلوا ذلك متعرّضين لأن تعقلوا أو لأن تذكّروا أو لأن تتّقوا.

تأويل قوله تعالى: {قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً} (٤) هذه الآية من الآى المشكلة التى تعلّقت بها الملحدة، وأنا إن شاء الله أكشف لك غموضها وأبرز مكنونها.

يقال: ما عبأت بفلان: أى ما باليت به، أى ما كان له عندى وزن ولا قدر، والمصدر العبء، و «ما» استفهامية، ظهر ذلك فى أثناء كلام الزجاج (٥)، وصرّح به الفراء (٦)،


(١) البيتان من غير نسبة فى تفسير الطبرى ١/ ٣٦٤، والقرطبى ١/ ٢٢٧،١٢/ ٢٨٢، والحماسة البصرية ١/ ٢٥، وزاد المسير ١/ ٤٨.
(٢) هذا الكلام فى تفسير الطبرى.
(٣) ليس فى هـ‍، وتفسير الطبرى. وهو فى تفسير القرطبى، وفيه زيادة: «والطبرى». ومجىء «لعل» بمعنى التعليل يروى عن يونس والكسائى والأخفش والفرّاء. راجع الموضع السابق من الجنى الدانى، والبرهان، واللسان (علل).
(٤) الآية الأخيرة من سورة الفرقان.
(٥) حين قدّر «ما» بأىّ، فقال: «وتأويل ما يعبأ بكم: أى أىّ وزن يكون لكم عنده» إعراب القرآن. المجلد الثامن، ص ١٤، من نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم ٣٣٣ ق، وحكاه الأزهرى فى التهذيب ٣/ ٢٣٤، وعنه اللسان (عبأ).
(٦) معانى القرآن ٢/ ٢٧٥.