للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس يبعد أن تكون نافية، لأنك إذا حكمت بأنها استفهام، فهو نفى خرج مخرج الاستفهام، كما قال: {هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ} (١).

وقال ابن قتيبة (٢): فى هذه الآية مضمر، وله أشكلت، أى ما يعبأ بعذابكم (٣) ربى، قال: ويوضّح ذلك قوله: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً} أى يكون العذاب لمن كذّب (٤) بالحقّ لازما. انتهى كلامه.

وأقول: إن حذف المضاف فى كلام العرب وأشعارها وفى الكتاب العزيز أكثر من أن يحصى (٥)، وأحسنه ما دلّ عليه معنى/أو قرينة أو نظير أو قياس، فدلالة المعنى كقوله جلّ جلاله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} (٦) أى حبّ العجل، وكقوله: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (٧) أى أهل القرية، وكقوله: {فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} (٨) أى أمر الله، وكقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} (٩) أى


(١) الآية المتمة الستين من سورة الرحمن. وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الرابع والسبعين، وكشفه هناك بأتمّ مما هنا.
(٢) تأويل مشكل القرآن ص ٤٣٨.
(٣) بعده فى تأويل المشكل: لولا ما تدعونه من دونه من الشريك والولد.
(٤) الذى فى التأويل: «لمن كذّب ودعا من دونه إلها». وقد ردّ الطبرىّ هذا التفسير. راجع حواشى التأويل. وجعل المرتضى الحذف هنا من المشكل؛ لأنه لا دليل فى الآية من لفظها، على ما يتعلّق به قوله «دعاؤكم». أمالى المرتضى ٢/ ٣٦٦.
(٥) يقول ابن جنى: «حذف المضاف فى القرآن والشعر وفصيح الكلام فى عدد الرمل سعة». المحتسب ١/ ١٨٨. وقال فى الخصائص ٢/ ٣٦٢: «وذلك كثير واسع» وانظر كلامى عن «الحذف» فى موضعه من الدراسة ص ٨٢.
(٦) سورة البقرة ٩٣، وكأن ابن الشجرى ينقل عن ابن قتيبة. انظر تأويل المشكل ص ٢١٠، وراجع أيضا الصناعتين ص ١٨١، وأمالى المرتضى ١/ ٢٠٢،٦١٥،٢/ ٤٨.
(٧) سورة يوسف ٨٢، وانظر مع المراجع السابقة كتاب الشعر ص ٣٤٦،٥٢٧، والخصائص ٢/ ٤٤٧، والغريبين ١/ ٨٦.
(٨) الآية الثانية من سورة الحشر.
(٩) سورة البقرة ١٩٧.