للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوجه: أحدها ما قاله سيبويه، وهو أنهم جعلوا الواو علامة تؤذن بالجماعة وليست ضميرا، والثانى: أن تكون البراغيث مبتدأ، وأكلونى خبرا مقدّما، فالتقدير:

البراغيث أكلونى، والثالث: أن تكون الواو ضميرا على شرط التفسير، والبراغيث بدلا منه، كقولك: ضربونى وضربت قومك، فتضمر قبل الذّكر على شرط التفسير، قال: وقد كان الوجه على تقديم (١) علامة الجماعة أن يقال: أكلتنى البراغيث، لأن ضمير ما لا يعقل من الذّكور كضمير الإناث، إلا أنهم جعلوا البراغيث مشبّهة بما يعقل حين وصفوها بالأكل، وهى (٢) مما يوصف بالقرص كالبقّ وشبهه، فأجروها مجرى العقلاء، ولهذا نظائر، منها قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ} (٣) لمّا وصفها بالسّجود الذى لا يكون إلا للعقلاء، أجراها فى الإضمار والجمع مجراهم، وكذلك القول فى قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّمْلُ اُدْخُلُوا مَساكِنَكُمْ} (٤) لمّا وجّه الخطاب إلى النمل، والخطاب لا يوجّه فى الحقيقة إلا إلى العقلاء أجريت فى الإضمار مجرى العقلاء. انتهى كلام أبى سعيد.

وأقول: إنّ حمل الأكل على السّجود والخطاب، فى الاختصاص بالعقلاء، سهو منه، لأن البهائم مشاركة للعقلاء فى الوصف بالأكل، والقول عندى/ أننا لا نحمل قولهم: أكلونى البراغيث، على الأكل الحقيقىّ، بل نحمله (٥) على معنى العدوان والظّلم والبغى، كقولهم: أكل فلان جاره: أى ظلمه وتعدّى عليه، وعلى ذلك قول علّفة بن عقيل بن علّفة المرّىّ لأبيه:


(١) جاء بهامش الأصل فى المجلس المذكور: «لعله: تقدير».
(٢) فى هـ‍: وهو.
(٣) الآية الرابعة من سورة يوسف.
(٤) سورة النمل ١٨.
(٥) حكاه ابن هشام فى المغنى ص ٤٠٥ عن ابن الشجرى.