للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمصدر قد استعملته العرب بدلا من الفعل فى نحو: سقيا له ورعيا، وجاء هنيئا على قول الزّجّاج مفردا بعد لفظ الجمع فى قوله تعالى: {كُلُوا وَاِشْرَبُوا هَنِيئاً} لأنه وقع موقع المصدر، والمصدر يقع مفردا فى موضع التثنية، وفى موضع الجمع، كقولك: ضربتهما ضربا وقتلتهم (١) قتلا، لأنه اسم جنس، بمنزلة العسل والبرّ والزّيت، فلا يصحّ تثنيته [وجمعه (٢)] إلا أن يتنوّع، وجعل أبو الفتح بن جنّى «هنيئا» فى قول كثيّر (٣):

هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت

حالا وقعت بدلا من اللفظ بالفعل، وخالف أبا علىّ فى تقدير ذلك الفعل، فزعم أن التقدير: ثبت هنيئا لعزّة ما استحلّت من أعراضنا، فحذف «ثبت» وأقام «هنيئا» مقامه فرفع به الفاعل الذى هو «ما استحلت»، وكذلك قال فى قول المتنبى (٤):

هنيئا لك العيد الذى أنت عيده

قال: العيد مرفوع بفعله، والأصل: ثبت هنيئا لك العيد، فحذف الفعل وقامت الحال مقامه، فرفعت الحال العيد، كما كان الفعل يرفعه.

وقول أبى الفتح فى هذا أشبه من قول أبى علىّ، لأنّ أبا علىّ زعم أن هنيئا وقع موقع ليهنئك، وهذا لفظ أمر، والأمر لا يقع حالا، أو موقع هنأك، وهذا لفظ خبر يراد به الدعاء، كقولهم: رحم الله فلانا، والدعاء أيضا لا يكون حالا.


(١) فى هـ‍: وقتلتهما.
(٢) سقط من هـ‍.
(٣) ديوانه ص ١٠٠، وتخريجه فى ص ١٠٤،١٠٦.
(٤) ديوانه ١/ ٢٨٥، وتمامه: وعيد لمن سمّى وضحّى وعيّدا وأنشده المصنف فى المجلس الحادى والأربعين.