للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المدح الصريح موضع الذمّ، وليس يلحقه بهذين عيب، ولا يستحقّ أن يحرم بذلك معروفا.

والمعنى غير ما ذهب إليه أبو الفتح، وذلك أنه وصف الممدوح بالتيقّظ، ومعرفة ما يأتى وما يدع، فيضع الصّنائع فى موضعها، فيعطى ذوى الأقدار قبل أن يسألوه، كما قيل: «السّخىّ من جاد بماله تبرّعا، وكفّ عن أموال الناس تورّعا (١)» ويمنع ماله من كل دنىء، إذا ذمّه الناس فقد مدحوه، أى يقوم الذمّ له مقام المدح لغيره، لدناءة عرضه ولؤم أصله، فالمعنى أنه يقلّ عن الذمّ، كما قال (٢):

صغرت عن المديح فقلت أهجى ... كأنّك ما صغرت عن الهجاء

والذّمّ من قوله: «من ذمّه حمد» مضاف إلى المفعول، والفاعل محذوف، فالتقدير من ذمّ الناس إيّاه، كما جاء: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ} (٣) والمعنى بسؤاله (٤) نعجتك، وأبو الفتح ذهب إلى أن الذّم مضاف إلى الفاعل، وأن المفعول محذوف، ففسّر (٥) على هذا التقدير، فأفسد المعنى، لأنه أراد من ذمّه الناس حمد (٦).

ومن [فى (٧)] قوله: «من ذمّه» اسم نكرة، والجملة بعده نعت له، كأنه قال:


(١) فى التمثيل والمحاضرة ص ٤٠٩: الجود أن تكون بمالك متبرعا، وعن مال غيرك متورعا.
(٢) ديوانه ١/ ٤٦، والموضع السابق منه.
(٣) سورة ص ٢٤.
(٤) قدّره فى المجلس الرابع والثمانين: «بسؤاله إياك نعجتك».
(٥) فى هـ‍: «ففسّره» وأسقطت الهاء كما فى الأصل، وديوان المتنبى، وشارحه يحكى كلام ابن الشجرى.
(٦) ذهب عن ابن الشجرى أنّ تفسير ابن جنى هذا يشهد له قول المتنبى: وإذا أتتك مذمتى من ناقص فهى الشهادة لى بأنى كامل وانظر ديوان المعانى ٢/ ٢٣٧.
(٧) سقط من هـ‍.