للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قاله سيبويه غير مدفوع مثله، لأنهم كثيرا ما يستعملون معنى بلفظ معنى آخر، ألا ترى أنهم يستعملون علم الله، بمعنى أقسم بالله، فيقولون: علم الله لأفعلنّ، فهذا عندهم قسم صريح، فكما استعملوا علم الله، بمعنى أقسم بالله، كذلك استعملوا العلم بمعنى المشورة، فيما قاله سيبويه، وقد (١) تلقّوا العلم والظنّ بما يتلقّون به الأقسام، وإن/لم يريدوا بهما معنى القسم، كقوله تعالى: {وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} (٢) وكقوله: {لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ} (٣) جاءت «ما» بعد الظنّ والعلم، مجيئها فى قولك: أقسم بالله ما فعلت، وإذا تأمّلت ما ذكرته لك، من استعمال معنى بلفظ معنى آخر، فى الكتاب العزيز، وفى الشّعر القديم، وفى الكلام الفصيح، وقفت من ذلك على أمر عجيب، فأول فهمك ما أذكره لك من هذا الفنّ، بعد ذكر أصول المعانى وفروعها.

قال أبو الحسن الأخفش، فى كتابه الذى سمّاه: الأوسط: معانى الكلام ستّة، وهى محيطة بالكلام: خبر واستخبار، وهو الاستفهام، ودعاء نحو: يا زيد ويا عبد الله، وتمنّ، نحو: ليت زيدا أتانا، وأ لا ماء باردا، وأمر، نحو قولك: أقبل وأدبر، وطلب [وهو (٤)] بصيغة الأمر، كقولك للخليفة: أجرنى (٥)، انظر فى أمرى، فالأمر لمن هو دونك، والطّلب إلى من أنت دونه.

وقال غير الأخفش: معانى الكلام، خبر واستخبار-وهو طلب الخبر-وافعل ولا تفعل، ونداء وتمنّ وعرض، وقال آخرون: وإباحة وندب.

ولعمرى إنّ صيغة افعل، تتناول مع تناولها الأمر الإباحة والنّدب وغيرهما، ممّا ستقف عليه.


(١) فى هـ‍: ولقد.
(٢) سورة فصلت ٤٨.
(٣) سورة يوسف ٧٣.
(٤) زيادة من هـ‍.
(٥) فى هـ‍: «أجزنى» بالزاى، وهو بالراء فى الأصل، هنا وفى المجلس التالى.