للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوم جعلوا النهى داخلا فى حيّز الأمر، ولذلك لم يذكره الأخفش، قالوا: لأنك إذا قلت: لا تأكل، كان بمنزلة قولك: دع الأكل.

وعند قوم من المحقّقين أن الصّيغتين تدلاّن على معنيين، كلّ واحد منهما قائم بنفسه، وإن اشتركا فى بعض المواضع.

وقد أدخل قوم النّداء فى باب الأمر، فقالوا: إذا قلت: يا رجل، فكأنك قلت:

تنبّه، وليس هذا القول بشىء، لأنك إذا قلت: يا زيد، لم تقل (١): قد أمرته، وقال بعضهم: النداء خبر من/وجه، وغير خبر من وجه، فإذا قلت: يا فسق، فهذا خبر، لدخول التصديق والتكذيب فيه، فلذلك أوجب الفقهاء الحدّ على القاذف (٢) بهذا اللفظ، فإذا قلت: يا زيد، فليس بخبر، لامتناع التصديق والتكذيب فيه.

وجعل بعض أهل العلم التعظيم (٣) لله سبحانه، معنى مفردا، وكذلك التعجّب، وأدخلهما آخرون فى الخبر، فقالوا: إذا قال القائل: لا إله إلا الله، فقد أخبر أنه معترف بذلك، وأنه من أهل هذه المقالة، وقال من جعله معنى بنفسه: لو كان تعظيم الله خبرا محضا، لما جاز أن يتكلّم به المرء خاليا ليس معه من يخاطبه [به (٤)] ولكنه تعبد لله، وإقرار بربوبيّته، يتعرّض به قائله للثواب، ويتجنّب العقاب، فهؤلاء جعلوا هذا الضّرب من الكلام خارجا عن الخبر المحض، كقول المرء خاليا بنفسه: أساء إلىّ فلان، وغصبنى مالى، وأشمت بى عدوّى، يقول ذلك على وجه التحزّن والتفجّع، وكذلك يقول على وجه التشكّر (٥): أحسن إلىّ فلان، وبذل لى ماله وجاهه، فجعلوا التعظيم لله معنى على حدته، وإن كان بلفظ الخبر.


(١) هكذا، هنا وفى المجلس التالى. وأخشى أن تكون «لم تكن قد أمرته».
(٢) هذا موضع خلاف، والأكثر أنه لا يحدّ بهذا اللفظ، لأنه من الكلام الذى يحتمل معنيين، ولم يعتبروه قذفا. المغنى لابن قدامة ١٠/ ٢١٠ - ٢١٣.
(٣) فى هـ‍: التعظيم فيه سبحانه.
(٤) ليس فى هـ‍.
(٥) فى هـ‍: الشكر.