للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الرِّيحُ مَأْمُورَةٌ؛ قَدْ تُؤْمَرُ بِخَيرٍ وَقَدْ تُؤْمَرُ بِشَرٍ، كَمَا فِي الحَدِيثِ: ((لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ رَوحِ اللهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَالعَذَابِ، وَلَكِنْ سَلُوا اللهَ مِنْ خَيرِهَا وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا)) (١):

١ - فَالخَيرُ هَوَ كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَينَ يَدَي رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ﴾ [الأَعْرَاف: ٥٧].

وَكَقَولِهِ تَعَالَى أَيضًا: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَينَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحِجْر: ٢٢].

٢ - وَالشَّرُّ هُوَ كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى عَنْهَا: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيءٍ أَتَتْ عَلَيهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ [الذَّارِيَات: ٤١ - ٤٢] (٢).

وَكَقَولِهِ تَعَالَى أَيضًا: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ [القَمَر: ١٩ - ٢٠] (٣).

وَفِي الصَّحِيحَينِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ضَاحِكًا حَتَّى


(١) صَحِيحٌ. ابْنُ مَاجَه (٣٧٢٧) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٧٣١٦).
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثيرٍ فِي التَّفْسِيرِ (٧/ ٤٢٣): " (العَقِيمَ) أَيِ: المُفْسِدَةَ الَّتِي لَا تَنْتِجُ شَيئًا. قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَغَيرُهُمَا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيءٍ أَتَتْ عَلَيهِ﴾ أَي: مِمَّا تُفْسِدُهُ الرِّيحُ ﴿إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ أَي: كَالشَّيءِ الهَالِكِ البَالِي".
(٣) قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (ص ٨٢٦): " ﴿رِيحًا صَرْصَرًا﴾ أَي: شَدِيدَةً جِدًّا، ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ أَي: شَدِيدِ العَذَابِ وَالشَّقَاءِ عَلَيهِم، ﴿مُسْتَمِرٍّ﴾ عَلَيهِم سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا، ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ﴾ مِنْ شِدَّتِهَا فَتَرْفَعُهُم إِلَى جَوِّ السَّمَاءِ ثُمَّ تَدْفَعُهُم بِالأَرْضِ فَتُهْلِكُهُم، فَيُصْبِحُونَ ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ أَي: كَأَنَّ جُثَثَهُم بَعْدَ هَلَاكِهِم مِثْلُ جُذُوعِ النَّخْلِ الخَاوي الَّذِي اقْتَلَعَتْهُ الرِّيحُ فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ، فَمَا أَهْوَنَ الخَلْقَ عَلَى اللهِ إِذَا عَصَوا أَمْرَهُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>