للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الشُّبْهَةُ السَّابِعَةُ: قِيَاسُ التَّوَسُّلِ بِذِكْرِ ذَاتِ النَّبِيِّ وَجَاهِهِ عَلَى التَّبَرُّكِ بِآثَارِهِ!

الجَوَابُ (١):

إِنَّ هَذَا القِيَاسَ لَا يَقُولُ بِهِ عَالِمٌ! لِأَنَّ التَّبَرُّكَ بِالذَّاتِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ تَتْبَعُ ذَاتَهُ ، وَهَذَا قَد انْقَطَعَ بِمَوتِهِ إِلَّا مَا بَقِيَ يَقِينًا مِنْ آثَارِهِ ، وَأَينَ ذَلِكَ مِنَ التَّوَسُّلِ بِذَاتِهِ وَجَاهِهِ -أَي سُؤَالِ اللهِ تَعَالَى بِهِ-؟! وَفَرْقٌ كَبِيرٌ لُغَةً وَشَرْعًا بَينَ التَّوَسُّلِ -عَلَى مَا بَيَّنَاهُ سَابِقًا- وَبَينَ التَّبَرُّكِ.

فَالتَّبَرُّكُ هُوَ التِمَاسُ مَنْ حَازَ أَثَرًا مِنْ آثَارِ النَّبِيِّ حُصُولَ خَيرٍ بِهِ، فهيَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ (٢)، وَأَمَّا التَّوَسُّل فَهُوَ إِرْفَاقُ دُعَاءِ اللهِ تَعَالَى بِشَيءٍ مِنَ الوَسَائِلِ الَّتِي شَرَعَهَا اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحُبِّي لِنَبِيِّكَ أَنْ تَغْفِرَ لي، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

فَالتَّبَرُّكُ يُرْجَى بِهِ شَيءٌ مِنَ الخَيرِ الدُّنْيَويِّ فَحَسْب، بِخِلَافِ التَّوَسُّلِ الَّذِي يُرْجَى بِهِ أَيُّ شَيءٍ مِنَ الخَيرِ الدُنْيَوِيِّ وَالأُخْرَوِيِّ، وَهُوَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ لِمَا يُرَافِقُهُ مِنَ الدُّعَاءِ.

وَإِنَّ الشَّرِيعَةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ التَّبَرُّكِ بِالآثَارِ؛ وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى التَّوَسُّلِ بِالذَّاتِ وَالجَاهِ! وَلَو كَانَ خَيرًا لَعَمِلَ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ .

وَقَولُ القَائِلِ -مِنْ بَابِ القِيَاسِ-: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِثَوبِ نَبِيِّكَ أَو نَعْلِهِ أَو … "! لَا رَيبَ أَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِيَشُكَّ النَّاسُ فِي عَقْلِهِ وَفَهْمِهِ فَضْلًا عَنْ عَقِيدَتِهِ وَدِينِهِ.


(١) بِتَصَرُّفٍ.
(٢) وَفِي صَحيحِ مُسْلِمٍ (٢٠٦٩) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تُخْبِرُ عَنْ جُبَّةٍ كَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ ، فَقَالَتْ: (هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا -وَكَانَ النَّبِيُّ يَلْبَسُهَا- فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى)، فَأَينَ هَذَا مِنَ التّوَسُّلِ بِالذَّاتِ وَالجَاهِ؟!!

<<  <  ج: ص:  >  >>