للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُلْحَقُ التَّاسِعُ عَلَى كِتَابِ التَّوحِيدِ: مَسَائِلُ فِي الإِيمَانِ بِالقَدَرِ

- المَسْأَلَةُ الأُولَى: هَلْ مِنْ مَعْنَى الإِيمَانِ بِالقَدَرِ تَرْكُ العَمَلِ وَالاتِّكَالُ عَلَى مَا كُتِبَ فِي اللَّوحِ المَحْفُوظِ؟ وَهَلْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ لِلعَاصِي عَلَى مَعْصِيَتِهِ؟

الجَوَابُ: لَا، وَذَلِكَ لِسَبَبَينِ:

١ - دَلِيلٌ أَثَرِيٌ: أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ بِالعَمَلِ رُغْمَ وُجُودِ الكِتَابَةِ وَفِي نَفْسِ الحَدِيثِ.

وَهُوَ عَنْ عَلِيٍّ ؛ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَولَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ (١)، ثُمَّ قَالَ: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَو سَعِيدَةً) قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؛ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: ((أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ؛ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ؛ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ)) ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ الآيَةَ [اللَّيل: ٥ - ٧]. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (٢).

فَالحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الأَمْرِ بِالعَمَلِ رُغْمَ وُجُودِ الكِتَابَةِ، وَلَكِنْ يَكُونُ العَمَلُ


(١) المِخْصَرَةُ: مَا يُتَوَكَّأُ عَلَيهِ مِنْ عَصَا وَغَيرِهَا.
(٢) البُخَارِيُّ (٤٩٤٨)، وَمُسْلِمٌ (٢٦٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>