للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسَائِلُ عَلَى البَابِ

- مَسْأَلَةٌ: تَوَاتَرَتِ الأَحَادِيثُ بِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" يَدْخُلُ النَّارَ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا؛ فكَيفَ الجَمْعُ مَعَ حَدِيثِ عِتْبَانَ الَّذِي فِيهِ بأَنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ"؟

الجَوَابُ:

إِنَّ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ هُوَ صَاحِبُ الإِخْلَاصِ وَاليَقِينِ فِيهَا؛ الَّذِي يَتَبَرَّأُ بِهَا مِنْ جَمِيعِ مَعَاصِيهِ؛ "فِإِنَّهُ إِذَا قَالَهَا بِإِخْلَاصٍ وَيَقِينٍ تَامٍّ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الحَالِ مُصِرًّا عَلَى ذَنْبٍ أَصْلًا، فَإِنَّ كَمَالَ إِخْلَاصِهِ وَيَقِينِهِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ اللهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنْ كُلِّ شَيءٍ، فَإِذًا لَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ إِرَادَةٌ لِمَا حَرَّمَ اللهُ، وَلَا كَرَاهَةٌ لِمَا أَمَرَ اللهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ -وَإِنْ كَانَتْ لَهُ ذُنُوبٌ قَبْلَ ذَلِكَ-، فَإِنَّ هَذَا الإِيمَانَ وَهَذَا الإِخْلَاصَ وَهَذِهِ التَّوبَةَ وَهَذِهِ المَحَبَّةَ وَهَذَا اليَقِينَ؛ لَا يَتْرُكُ لَهُ ذَنْبًا إِلَّا مُحِيَ عَنْهُ كَمَا يَمْحُو اللَّيلُ النَّهَارَ، فَإِذَا قَالَهَا عَلَى وَجْهِ الكَمَالِ -المَانِعِ مِنَ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ وَالأَصْغَرِ-؛ فَهَذَا غَيرُ مُصِرٍّ عَلَى ذَنْبٍ أَصْلًا؛ فَيُغْفَرُ لَهُ وَيَحْرُمُ عَلَى النَّارِ" (١) (٢).


(١) نَقَلَهُ مُلَخَّصًا الشَّيخُ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ حَسَن آل الشَّيخ عَنْ شَيخِ الإِسْلَامِ. فَتْحِ المَجِيدِ (ص ٤٧).
(٢) وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ (١/ ٥٢٤) -عِنْدَ شَرْحِ الحَدِيثِ الخَامِسِ وَالعِشْرِينَ-: "فَإِنَّ تَحَقُّقَ القَلْبِ بِمَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) وَصِدْقَهُ فِيهَا، وَإِخْلَاصَهُ بِهَا يَقْتَضِي أَنْ يَرْسَخَ فِيهِ تَأَلُّهَ اللهِ وَحْدَهُ إِجْلَالًا؛ وَهَيبَةً؛ وَمَخَافَةً؛ وَمَحَبَّةً؛ وَرَجَاءً؛ وَتَعْظِيمًا؛ وَتَوَكُّلًا؛ وَيَمْتَلِئَ بِذَلِكَ، وَيَنْتَفِيَ عَنْهُ تَأْلُّهُ مَا سِوَاهُ مِنَ المَخْلُوقِينَ، وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ؛ لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَحَبَّةٌ وَلَا إِرَادَةٌ وَلَا طَلَبٌ لِغَيرِ مَا يُرِيدُ اللهُ وَيُحِبُّهُ وَيَطْلُبُهُ، وَيَنْتَفِي بِذَلِكَ مِنَ القَلْبِ جَمِيعُ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ وَإِرَادَاتِهَا وَوَسَاوِسُ الشَّيطَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ شَيئًا وَأَطَاعَهُ؛ وَأَحَبَّ عَلَيهِ وَأَبْغَضَ عَلَيهِ؛ فَهُوَ إِلَهُهُ، فَمَنْ كَانَ لَا يُحِبُّ وَلَا يُبْغِضُ إِلَّا لِلَّهِ،
=

<<  <  ج: ص:  >  >>