للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: مَا وَجْهُ الجَمْعِ بَينَ حَدِيثِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَينَ أَبِي؟ قَالَ: ((فِي النَّارِ)). فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ: ((إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ)) (١) وَبَينَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس: ٦] فِي كَوْنِ وَالِدَيِّ النَّبِيِّ لَيسا مِنْ أَهْلِ الفَتْرَةِ؟

الجَوَابُ مِن وَجْهَينِ:

١ - أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى خُصُوصِ بُلُوغِ قُرَيشٍ دَعْوَةَ إِبْرَاهِيمَ مِن جُمْلَةِ النَّاسِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ النُّصُوصُ الكَثِيرةُ فِي أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ إِلَّا بَعْدَ إِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَى خَلْقِهِ، وَلَكِنَّ قُرَيشًا بِذَاتِهَا كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهَا الدَّعْوَةُ.

قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ : "قَوْلُه: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَينَ أَبِي؟ قَالَ: ((فِي النَّارِ)). فَلَمَّا قَفَّى؛ دعاه فقال: ((إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ) فِيهِ: أَنَّ مَن مَاتَ عَلَى الكُفْرِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَلَا تَنْفَعُهُ قَرَابَةُ المُقَرَّبِينَ، وَفِيهِ: أَنَّ مَن مَاتَ فِي الفَتْرَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيهِ العَرَبُ مِن عِبَادَةِ الأَوثَانِ فَهُوَ مِن أَهْلِ النَّارِ، وَلَيسَ هَذَا مُؤَاخَذَةً قَبْلَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ! فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهُم دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيرِه مِن الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيهِم" (٢).

وَقَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ -تَعْلِيقًا عَلَى قَولِه تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]-: "الإِنْذَارُ المَذْكُورُ فِيهَا لَا يَعْنِي الإِنْذَارَ المُبَاشِرَ مِنَ النَّذِيرِ فَقَط! وَإِنَّما يَعْنِي: وُصُولَ النِّذَارَةِ، فَسَوَاءً كَانَ بِالوَاسِطَةِ أَوْ بِدُونِ وَاسِطَةٍ،


(١) فِي صَحِيحُ مُسْلِمٍ (٢٠٣) عَنْ أَنَسٍ.
(٢) شَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ (٣/ ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>