للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ العَاشِرَةُ: أَلَيسَ فِي قَولِهِ : ((اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانوا عَامِلِينَ بِه)) (١)، وَقَولِهِ أَيضًا: ((إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَينَهُ وَبَينَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ؛ فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ؛ فَيَدْخُلُهَا)) (٢) دِلَالَةٌ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِالقَدَرِ عَلَى الأَعْمَالِ؟!

الجَوَابُ: لَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ:

١ - أَنَّ مَقْصُودَ النَّبِيِّ فِي الحَدِيثِ الأَوَّلِ هُوَ أَنْ لَا تَحْكُمُوا عَلَيهِم بِالنَّارِ بِسَبَبِ كُفْرِ آبَائِهِم إِذْ لَمْ يَبْلُغُوا فَيَكْفُرُوا، وَلَا تَحْكُمُوا عَلَيهِم بِمِيثَاقِ الفِطْرَةِ الَّتِي وُلِدُوا عَلَيهَا؛ لِأَنَّهُم لَمْ يَبْلُغُوا فَيُؤْمِنُوا (٣).


(١) وَالحَدِيثُ هُوَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ عَنْ أَولَادِ المُشْرِكِينَ؛ فَقَالَ: ((اللَّهُ إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ)). البُخَارِيُّ (٦٥٩٧)، وَمُسْلِمٌ (٢٦٥٩) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا.
وَمِثْلُهُ مَا رَوَاهُ أَيضًا البُخَارِيُّ (٦٥٩٩) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا: ((مَا مِنْ مَولُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُونَ البَهِيمَةَ؛ هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟! حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَفَرَأَيتَ مَنْ يَمُوتُ -وَهُوَ صَغِيرٌ- قَالَ: ((اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ)).
(٢) وَالحَدِيثُ بِتَمَامِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: ((إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَومًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيهِ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ؛ فَوَ اللهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَينَهُ وَبَينَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ؛ فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا! وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَينَهُ وَبَينَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ؛ فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٣٣٣٢)، وَمُسْلِمٌ (٢٦٤٣).
(٣) أَفَادَهُ ابْنُ قُتَيبَةَ كَمَا فِي كَشْفُ المُشْكِلِ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَينِ (٢/ ٣٦٦) لِابْنِ الجَوزِيِّ .
قُلْتُ: وَيَزِيدُهُ تَأْكِيدًا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ : ((يُؤْتَى بِأَرْبَعَةٍ يَومَ القِيَامَةِ: بِالمَولُودِ، وَبِالمَعْتُوهِ، وَبِمَنْ مَاتَ فِي الفَتْرَةِ، وَالشَّيخِ الفَانِي: كُلُّهُمْ يَتَكَلَّمُ بِحُجَّتِهِ، فَيَقُولُ الرَّبُّ لِعُنُقٍ مِنَ النَّارِ: ابْرُزْ. فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي كُنْتُ أَبْعَثُ إِلَى عِبَادِي رُسُلًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ؛ وَإِنِّي رَسُولُ نَفْسِي إِلَيكُمْ، ادْخُلُوا هَذِهِ،
=

<<  <  ج: ص:  >  >>