للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْحُ

- هَذَا البَابُ يَصْلُحُ أَنْ يُسَمَّى بِبَابِ (النَّهْيُ عَنْ ظَنِّ السُّوءِ بِاللهِ تَعَالَى).

- مُنَاسَبَةُ هَذَا البَابِ لِكِتَابِ التَّوحِيدِ: أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ هُوَ مِنْ وَاجِبَاتِ التَّوحِيدِ، وَسُوءَ الظَّنِّ بِاللهِ ﷿ يُنَافِي التَّوحِيدَ (١)، وَفي الحَدِيثِ: ((لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ ﷿) (٢).

- قَولُهُ تَعَالَى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ فُسِّرَ هَذَا الظَّنُّ كَمَا فِي سُورَةِ الفَتْحِ: ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفَتْح: ١٢]، وَهَكَذَا هَؤُلَاءِ اعْتَقَدُوا أَنَّ المُشْرِكِينَ لَمَّا ظَهَرُوا تِلْكَ السَّاعَةِ ظَنُّوا أَنَّهَا الفَيصَلَةُ، وَأَنَّ الإِسْلَامَ قَدْ بَادَ وَأَهْلَهُ.

- إِنَّ ظَنَّ السَّوءِ الَّذِي ظَنَّهُ المُنَافِقُونَ هُوَ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ:

١ - أَنَّ اللهَ لَا يَنْصُرُ رَسُولَهُ، وَإِنَّ أَمْرَهُ سَيَضْمَحِلُّ!

وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ إِرْسَالَ الرَّسُولِ عَبَثٌ وَسَفَهٌ! فَمَا الفَائِدَةُ مِنْ أَنْ يُرْسَلَ رَسُولٌ وَيُؤْمَرَ بِالقِتَالِ وَإِتْلَافِ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ؛ ثُمَّ تَكُونَ النَّتِيجَةُ أَنْ يَضْمَحِلَ أَمْرُهُ وَيُنْسَى؟! فَهَذَا ظَنُّ سَوءٍ بِاللهِ تَعَالَى، وَلَا سِيَّمَا رَسُولُ اللهِ الَّذِي هُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ شَرِيعَتَهُ سَوفَ تَبْقَى إِلَى يَومِ القِيَامَةِ.


(١) يُنَافِي أَصْلَهُ إِذَا زَادَ وَكَثُرَ وَاسْتَمَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ، أَو يُنَافِي كَمَالَهُ الوَاجِبَ إِذَا كَانَ شَيئًا عَارِضًا أَو شَيئًا خَفِيفًا أَو خَاطِرًا فِي النَّفْسِ فَقَطْ -لَا يَقْصُدُ حَقِيقَتَهُ-، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ أَعْمَالِ القُلُوبِ مَا يُؤَاخَذُ بِهِ صَاحِبُهُ؛ خِلَافًا لِحَدِيثِ النَّفْسِ.
(٢) مُسْلِمٌ (٢٨٧٧) عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>