للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْحُ

- هَذَا البَابُ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنَ البَابِ السَّابِقِ؛ فَإِنَّ فِيهِ: (مَنْ حَقَّقَ التَّوحِيدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ)، وَتَحْقِيقُ التَّوحِيدِ هُوَ تَصْفِيَةُ التَّوحِيدِ وَالشَّهَادَتَينِ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ وَالبِدَعِ وَالمَعَاصِي.

فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِتَرْكِ شِرْكِ العُبُودِيَّةِ! بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ لَا يُشْرِكَ هَوَاهُ فِي الطَّاعَةِ، وَإِذَا أَشْرَكَ المَرْءُ هَوَاهُ أَتَى بِالبِدَعِ وَأَتَى بِالمَعْصِيَةِ، فَصَارَ نَفْيُ الشِّرْكِ هُنَا نَفْيًا لِلشِّرْكِ بِأَنْوَاعِهِ، وَنَفْيًا لِلبِدْعَةِ، وَنَفْيًا لِلمَعْصِيَةِ، وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ التَّوحِيد للهِ تَعَالَى (١).

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ : "فَجَمِيعُ المَعَاصِي تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيمِ هَوَى النُّفُوسِ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ المُشْرِكِينَ بِاتِّبَاعِ الهَوَى فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ [القَصَص: ٥٠]، وَكَذَلِكَ البِدَعُ؛ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيمِ الهَوَى عَلَى الشَّرْعِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى أَهْلُهَا أَهْلَ الأَهْوَاءِ، وَكَذَلِكَ المَعَاصِي إِنَّمَا تَقَعُ مِنْ تَقْدِيمِ الهَوَى عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ اللهُ" (٢).

- قَولُهُ: ((لَا يَسْتَرْقُونَ)) أَي: لَا يَطْلُبُونَ الرُّقْيَةَ، وَالطَّالِبُ لِلرُّقْيَةِ فِي قَلْبِهِ مَيلٌ وَتَعَلُّقٌ بِالرَّاقِي حَتَّى يُرْفَعَ مَا بِهِ -أَي: مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ-، وَهَذَا التَّعَلُّقُ يُنَافِي كَمَالَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ (٣).


(١) بِتَصَرُّفٍ يَسِيرٍ مِنْ كِتَابِ التَّمْهِيدُ (ص ٣٨) لِلشَّيخِ صَالِحِ آلِ الشَّيخِ حَفِظَهُ اللهُ.
(٢) جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ (٢/ ٣٩٧) -شَرْحُ حَدِيثِ رَقَم (٤١) -.
(٣) أَي: الكَمَالَ المُسْتَحَبَّ، وَهَذَا لَا يَأْثَمُ بِهِ صَاحِبُهُ؛ لَكِنَّهُ خِلَافُ الأَكْمَلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>