للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: مَا الجَوَابُ عَنْ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيدِ تَنَالُهُ أَيدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المَائِدَة: ٩٤] وَالَّذِي فِيهِ الإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَعْلَمُ مَا سَيَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا بَعْدَ الوُقُوعِ؟ (١)

الجَوَابُ:

إِنَّ هَذَا العِلْمَ عِلْمٌ آخَرُ غَيرُ العِلْمِ السَّابِقِ، فَهُوَ عِلْمُ مُشَاهَدَةٍ وَظُهُورٍ، أَمَّا العِلْمُ السَّابِقُ لَهُ سُبْحَانَهُ فَهُوَ عِلْمٌ أَزَلِيٌّ بِمَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ -كَمَا سَبَقَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَدِلَّةِ-، وَلَكِنَّ الفَرْقَ بَينَهُمَا أَنَّ العِلْمَ المُضَارِعَ للعَمَلِ هُوَ الَّذِي يُبْنَى عَلَيهِ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ، وَذَلِكَ كَي لَا يَكُونَ لِلعَاصِي حُجَّةٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ (٢).

قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ : "وَأَمَّا قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيهِ﴾ [البَقَرَة: ١٤٣]، وَقَوْلُهُ: ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَينِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾ [الكهف: ١٢] وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ فَهَذَا هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومِ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيهِ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ، وَمُجَرَّدُ ذَلِكَ الْعِلْمِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيهِ مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ، وَلَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ؛ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ وُجُودِ الْأَفْعَالِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا: (لِنَرَى). وَكَذَلِكَ الْمُفَسِّرُونَ قَالُوا:


(١) وَمِثْلُهُ أَيضًا قَولُهُ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عِمْرَان: ١٤٢].
(٢) قُلْتُ: وَأَمَّا لَو اسْتَنْفَدَ العَاصيُ فُرْصَتَهُ فِي العَمَلِ؛ فَإِنَّ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى السَّابِقَ حَاكِمٌ عَلَيهِ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأَنْعَام: ٢٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>