للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْحُ

- أَرَادَ المُصَنِّفُ بِهَذَا البَابِ بَيَانَ أَنَّ السِّحْرَ أَنْوَاعٌ -أَي مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَالعُرْفِ، وَالشَّرْعِ- وَمِنْهُ الكُفْرُ، وَمِنْهُ مَا دُونَ ذَلِكَ.

فَقَدْ يُسَمَّى الشَّيءُ سِحْرًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَفْعَلُ فِعْلَ السِّحْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِيقَتِهِ سِحْرًا مِنْ جِهَةِ المَعْنَى الَّذِي هُوَ الكُفْرُ وَالشِّرْكُ وَعِبَادَةُ الشَّيَاطِين وَالاسْتِعَانَةُ بِهِم، وَقَدْ يُسَمَّى أَيضًا سِحْرًا مِنْ حِيثُ خَفَاءِ أَسْبَابِهِ المَزْعُومَةِ.

- قَولُهُ: ((العِيَافَةَ)) عَافَ الشَّيءَ يَعَافُهُ: إِذَا تَرَكَهُ فَلَم تبْغِهِ نَفْسُهُ، وعَافَ الطَّيرُ يَعِيفُ عَيَفَانًا وَعَيفًا وَعِيَافَةً: إِذَا حَامَ فِي السَّمَاءِ (١).

- قَولُهُ: ((زَجْرُ الطّيرِ)) هُوَ أَنْ يُحرِّكَ طَيرًا حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى أَينَ يَتَحَرَّكُ، ثُمَّ يَفْهَمَ مِنْ ذَلِكَ الزَّجْرِ هَلْ هَذَا الأَمْرُ الَّذِي سَيُقْدِمُ عَلَيهِ أَمْرٌ مَحْمُودٌ أَمْ أَمْرٌ مَذْمُومٌ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ عُمُومِ الطِّيَرَةِ الَّتِي هِيَ التَّشَاؤُمُ وَالتَّفَاؤُلُ، وَسَيَأْتِي الكَلَامُ عَلَيهَا إِنْ شَاءَ اللهُ بَعْدَ أَبْوَابٍ.

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (١٠/ ٢١٣): "وَكَانُوا يَتَيَمَّنُونَ بِالسَّانِحِ وَيَتَشَاءَمُونَ بِالبَارِحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِن رَمْيُهُ إِلَّا بِأَنْ يَنْحَرِف إِلَيهِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ عُقَلَاءِ الجَاهِلِيَّةِ يُنْكِرُ التَّطَيُّرَ وَيَتَمَدَّحُ بِتَرْكِهِ.

قَالَ شَاعِر مِنْهُمْ: لَعُمْرُكَ مَا تَدْرِي الطَّوَارِق بِالحَصَى … وَلَا زَاجِرَتُ الطَّيرِ مَا اللهُ صَانِعُ" (٢).


(١) جَمْهَرَةُ اللُّغَةِ (٢/ ٩٣٨) لِابْنِ دُرَيدٍ.
(٢) فَتْحُ البَارِي (١٠/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>