للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ بَعْضُهُم عَلَى عَدَمِ قَتْلِ السَّاحِرِ بِأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَقْتُلْ مَنْ سَحَرَهُ! فَمَا الجَوَابُ؟

الجَوَابُ:

قَدْ تَقَدَّمَ عَمَلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ فِي قَتْلِ السَّاحِرِ، وَلَكِنَّ سَبَبَ عَدَمِ القَتْلِ هُنَا -أَي مِنَ النَّبِيِّ لِمَنْ سَحَرَهُ- هُوَ مِنْ أَوجُهٍ:

أ- أَنَّ سَاحِرَ أَهْلِ الكِتَابِ مُسْتَثْنًى مِنَ القَتْلِ، لِأَنَّ الأَصْلَ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَأَمَّا السَّاحِرُ الَّذِي أَصْلُهُ مُسْلِمٌ؛ فَهُوَ مُرْتَدٌّ مُبَدِّلٌ لِدِينِهِ.

وَفِي الحَدِيثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: ((لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ الله إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ المُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (١) (٢).

ب- أَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ دَرْءًا لِلفِتْنَةِ، كَمَا فِي نَفْسِ الحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ ، وَفِيهِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ؛ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ! قَالَ: ((لَا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا))، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ (٣) (٤).


(١) البُخَارِيُّ (٦٨٦٧)، وَمُسْلِمٌ (١٦٧٦).
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (٦/ ٢٧٧) -تَعْلِيقًا عَلَى تَبْوِيبِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: بَابُ هَلْ يُعْفَى عَنِ الذِّمِيِّ إِذَا سَحَرَ-: "قَالَ ابْنُ بَطَّال: لَا يُقْتَلُ سَاحِرُ أَهْلِ العَهْدِ لَكِنْ يُعَاقَبُ، إِلَّا إِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ فَيُقْتَلُ، أَو أَحْدَثَ حَدَثًا فَيُؤْخَذُ بِهِ، وَهُوَ قَولُ الجُمْهُورِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَدْخَلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ؛ نُقِضَ عَهْدُهُ بِذَلِكَ".
وَقَالَ العَينِيُّ فِي كِتَابِهِ عُمْدَةُ القَارِي (١٤/ ٦٣): "وَأَمَّا سَاحِرُ أَهْلِ الكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ المُسْلِمُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكُ وَأَحْمَدُ: لَا يُقْتَلُ لِقِصَّةِ لَبِيدِ بْنِ أَعْصَمٍ".
(٣) وَهُوَ لَفْظٌ لِمُسْلِمٍ (٢١٨٩).
(٤) اعْلَمْ أَنَّ أَلْفَاظَ هَذَا الحَدِيثِ فِي شَأْنِ اسْتِخْرَاجِ السِّحْرِ وَقَتْلِ السَّاحِرِ مُتَنَوِّعَةٌ مُتَبَايِنَةٌ، وَلَمْ أَجِدْ مَا يَرْوِي
=

<<  <  ج: ص:  >  >>