للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَا التَّوفِيقُ بَينَ أَمْرِ النَّبِيِّ لِمُعَاذٍ بِأَنْ لَا يُبَشِّرَ النَّاسَ بِذَلِكَ الحَقِّ؛ مَعَ الأَمْرِ الرَّبَّانِيِّ بِتَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ عُمُومًا وَعَدَمِ كِتْمَانِهَا (١)؟

الجَوَابُ:

يَحْتَمِلُ التَّوفِيقُ عِدَّةَ أَوْجُهٍ؛ مِنْهَا:

١ - أَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ، غَايَةُ الأَمْرِ أَنَّهُ مَنَعَ نَشْرَهُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ خَوفًا عَلَى مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَرَامِيَ الحَدِيثِ فَيَقَعُ فِي المُحْظُورِ فَيَدَعُ بَعْضَ العَمَلِ، أَوْ يُفَرِّطُ فِيمَا أُمِرَ بِهِ.

قَالَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ العِلْمِ: "بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا" (٢).

٢ - أَنَّ أَمْرَهُ بِالكِتْمَانِ لَيسَ المَقْصُودُ بِهِ الكِتْمَانَ المُطْلَقَ المُؤَبَّدَ! بَلْ هُوَ كِتْمَانٌ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ؛ وَهَذَا الَّذِي فَهِمَهُ مُعَاذٌ نَفْسَهُ ؛ وَلِذَلِكَ فَقَدْ (أَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا) (٣).

قَالَ الشَّيخُ مُلَّا عَلِي القَارِيِّ : "وَإِنَّمَا رَوَاهُ مُعَاذٌ -مَعَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ- لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الْإِخْبَارَ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَالْأَحْوَالِ، وَالْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ كَانُوا حَدِيثِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ لَمْ يَعْتَادُوا تَكَالِيفَهُ، فَلَمَّا تَثَبَّتُوا وَاسْتَقَامُوا أَخْبَرَهُمْ" (٤).


(١) يَعْنِي فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المَائِدَة: ٦٧].
(٢) عِنْدَ أَثَرِ عَلِيٍّ (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ؛ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟!). صَحِيحُ البُخَارِيِّ (١٢٧).
(٣) صَحِيحُ البُخَارِيِّ (١٢٨).
(٤) مِرْقَاةُ المَفَاتِيحِ (١/ ٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>