للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ألَا يُمْكِنُ القَولُ بِأَنَّ نَفيَ العَدْوَى هُوَ نَفْيٌ لِوُجُودِهَا مُطْلَقًا؛ وَلَيسَ لِكَونِهَا هِيَ الفَاعِلَةَ نَفْسَهَا؟

الجَوَابُ:

قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ، وَلَكِنَّ الأَرْجَحَ هُوَ مَا أَثْبَتْنَاهُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ النَّفيَ هُوَ لِاعْتِقَادِهِم سَرَيَانَ العَدْوَى بِطَبْعِهَا دُونَ إِذْنِ اللهِ تَعَالَى، وَمِمَّا يُرَجِّحُ هَذَا الوَجْهَ وُجُودُ العَدْوَى أَصْلًا، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ جِهَتَينِ:

١ - أَنَّ الوَاقِعَ يَشْهَدُ لِذَلِكَ، فمُخَالَطَةُ السَّلِيمِ لِلمَرِيضِ هُوَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي حُصُولِ مَرَضِ السَّلِيمِ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُرَدَّ.

٢ - الأَحَادِيثُ الكَثِيرَةُ الَّتِي فِيهَا الأَمْرُ بِاجْتِنَابِ مُخَالَطَةِ المَجْذُومِ (١) وَغَيرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الأَمْرَاضِ المُعْدِيَةِ، وَهَذَا فِيهِ إثْبَاتُ العَدْوَى،

كَقَولِهِ : ((لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)) (٢)،

وكَقَولِهِ : ((لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ)) (٣)،


(١) الجُذَامُ: مَرَضٌ خَبِيثٌ مُعْدٍ بِسُرْعَةٍ، ويُسَمَّى أَيضًا مَرَضُ "هَانْسِن" وَهُوَ مَرَضٌ يُؤَثِّرُ أَسَاسًا عَلَى الجِلْدِ وَالأَغْشِيَةِ المُخَاطِيَّةِ.
وَالجَذْمُ: القَطْعُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَجَذُّمِ الأَصَابِعِ وَتَقَطُّعِهَا.
(٢) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٥٧٧١)، وَالمَعْنَى: لَا يُورِدُ صَاحِبُ الإِبِلِ المَرِيضَةِ عَلَى صَاحِبِ الإِبِلِ الصَّحِيحَةِ؛ لِئَلَّا تَنْتَقِلَ العَدْوَى.
وَبَوَّبَ عَلَيهِ البَيهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الكُبْرَى (٧/ ٣٥٢): "بَابُ لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ؛ فَقَدْ يَجْعَلُ اللهُ تَعَالَى -بِمَشِيئَتِهِ- مُخَالَطَتَهُ إِيَّاهُ سَبَبًا لِمَرَضِهِ".
(٣) صَحِيحٌ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ تَعْلِيقًا (٥٧٠٧) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. الصَّحِيحَةُ (٧٨٣).
وتَأَمَّلْ كَيفَ أَنَّ النَّبِيَّ جَمَعَ بينَ النَّفْي وَالإِثْبَاتِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ فِي قَولِهِ: ((لَا عَدْوَى، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ)).

<<  <  ج: ص:  >  >>