للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسَائِلُ عَلَى البَابِ

- المَسْأَلَةُ الأُولَى: قَولُهُ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يُوسُف: ١١٠]؛ أَلَيسَ فِيهِ أَنَّ الرُّسُلَ يَئِسُوا؟

الجَوَابُ: فِيهَا قَولَانِ.

١ - أَنَّ هَذَا يَأْسٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ المَدْعُوِّينَ أَنَّهُم لَنْ يُؤمِنُوا بَعْدَ هَذَا الوَقْتِ، وَلَيسَ مِنْ جِهَةِ يَأْسِهِم مِنْ رَوحِ اللهِ تَعَالَى (١).

٢ - مَا أَفَادَهُ الإِمَامُ السَّعْدِيُّ فِي كِتَابِهِ العَظِيمِ "القَوَاعِدُ الحِسَانُ لِتَفْسِيرِ القُرْآنِ"، فَقَالَ :

" القَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ: الأُمُورُ العَارِضَةُ الَّتِي لَا قَرَارَ لَهَا بِسَبَبِ المُزْعِجَاتِ أَوِ الشُّبُهَاتِ قَدْ تَرِدُ عَلَى الحَقِّ وَعَلَى الأُمُورِ اليَقِينِيَّةِ وَلَكِنْ سُرْعَانَ مَا تَضْمَحِلُّ وَتَزُولُ.

وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ شَرِيفَةٌ جَلِيلَةٌ قَدْ وَرَدَتْ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ القُرْآنِ، فَمَنْ لَمْ يُحْكِمْهَا


(١) وَقَولُهُ تَعَالَى: ﴿كُذِبُوا﴾ فِيهَا قِرَاءَتَان، بِالتَّخْفِيفِ: وَيَكُونُ فِيهَا صَاحِبُ الظَّنِّ هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَالمَدْعُوُّونَ.
وَالقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ بِالتَّشْدِيدِ ﴿كُذِّبُوا﴾: وَيَكُونُ صَاحِبُ الظَّنِّ فِيهَا هُمُ الرُّسُلُ؛ حَيثُ ظَنُّوا أَنَّ النَّاسَ قَدْ كَذَّبُوهُم. اُنْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ (١٦/ ٣٠٨).
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (٨/ ٣٦٩): "وَجَاءَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَن ابْنِ عَبَّاسٍ نَفْسِهِ، فَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَولِهِ: ﴿قَدْ كُذِبُوا﴾ قَالَ اسْتَيأَسَ الرُّسُلُ مِنْ إِيمَانِ قَومِهِمْ؛ وَظَنَّ قَومُهُمْ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوهُمْ. وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمد فِي تَأْوِيل مَا جَاءَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَفْسِهِ مِنْ غَيرِهِ-".

<<  <  ج: ص:  >  >>