للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: زَعَمَ بَعْضُهُم أَنَّ النَّهْيَ عَنِ اتِّخَاذِ القُبُورِ مَسَاجِدَ هُوَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ القُبُورَ تَتَنَجَّسُ بِسَبَبِ مَا فِيهَا؛ وَعَلَيهِ يُحْمَلُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِيهَا، لِذَلِكَ إِذَا كَانَتِ القُبُورُ قَدِيمَةً مُنْدَرِسَةً؛ فَلَا بَأْسَ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهَا لِزَوَالِ العِلَّةِ! فَمَا الجَوَابُ؟

الجَوَابُ:

دَعْوَى أَنَّ العِلَّةَ هِيَ النَّجَاسَةُ مَرْدُودٌ مِنْ أَوجُهٍ، وَبِرَدِّهَا يَبْقَى النَّهْيُ قَائِمًا (١).

وَالأَوجُهُ هِيَ:

١ - أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي النُّصُوصِ أَبَدًا مَا يَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ أَو يُومِئُ إِلَيهَا.

٢ - أَنَّهُ إِنْ كَانَ المَيِّتُ مُسْلِمًا فَهُوَ لَيسَ بِنَجِسٍ أَبَدًا، كَمَا فِي الحَدِيثِ: ((إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ)) (٢) (٣).

وَإِنْ قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ مَيِّتًا فَقَط فَلَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الأَنْبِيَاءِ (٤)، وَقَدْ وَرَدَتِ النُّصُوصُ بِذَمِّ أَهْلِ الكِتَابِ لِاتِّخَاذِهِم المَسَاجِدَ عَلَى قُبُورِ أَنْبِيَائِهِم.


(١) وَعَلَى فَرْضِ كَونِ النَّجَاسَةِ هِيَ عِلَّةٌ فِي النَّهْي؛ فَهَذَا لَا يَعْنِي أَنَّهَا وَحْدَهَا العِلَّةُ! لِذَلِكَ فَإِنَّ انْتِفَاءَهَا لَا يَعْنِي زَوَالَ النَّهْي.
(٢) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٢٨٥)، وَمُسْلِمٌ (٣٧١) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا.
(٣) وَقَدْ رَدَّ بَعْضُهُم عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَنْجُسُ بِدَلِيلِ الأَمْرِ بِغَسْلِهِ قَبْلَ الدَّفْنِ!
قُلْتُ: وَهُوَ رَدٌّ عَلَيهِم، لِأَنَّهُ يُقَالُ بِأَنَّ هَذَا الغَسْلَ لَهُ قَدْ أَذْهَبَ نَجَاسَتَهُ -عَلَى فَرْضِ النَّجَاسَةِ-، عَدَا عَنْ كَونِ الأَمْرِ بِالغَسْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ!
فَعِنْدَ الحَاكِمِ (١٤٢٦) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: ((لَيسَ عَلَيكُمْ فِي غَسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إِذَا غَسَّلْتُمُوهُ؛ فَإِنَّ مَيِّتَكُمْ لَيسَ بِنَجَسٍ! فَحَسْبُكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا أَيدِيَكُمْ)). صَحِيحٌ. صَحِيحُ الجَامِعِ (٥٤٠٨).
(٤) عَنْ أَوسِ بْنِ أَوسٍ مَرْفُوعًا: ((إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ)). صَحِيحٌ. أَبُو دَاوُدَ (١٥٣١). صَحِيحُ الجَامِعِ (٢٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>