للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّتِ المُعْتَزِلَةُ بِحَدِيثِ البَابِ عَلَى إِحْبَاطِ الأَعْمَالِ بِالْمَعَاصِي الكَبَائِرِ خِلَافًا لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ! فَمَا الجَوَابُ؟

الجَوَابُ مَحْمُولٌ عَلَى أَوْجًهٍ:

١ - أَنَّ الإِحْبَاطَ هُوَ لِكَامِلِ عَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِكَونِهِ قَدْ تَعَلَّقَ بِعَمَلِ نَفْسِهِ، وَظَنَّ أَنَّ لَهُ بِذَلِكَ إِدْلَالًا (١)، وَتَحَكُّمًا عَلَى اللهِ تَعَالَى فِي رَحْمَتِهِ؛ فَكَانَ هَذَا سَبَبًا لِإِبْطَالِ كُلِّ مَا سَبَقَ مِنْ عَمَلِهِ حَيثُ فَقَدَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ العِبَادَةِ وَهُوَ رُكْنُ الذُّلِّ وَالخُضُوعِ للهِ تَعَالَى.

٢ - أَنَّ الإِحْبَاطَ هُوَ لِنَوعِ العَمَلِ الَّذِي كَانَ مُتَقَدِّمًا فِيهِ عَلَى ذَلِكَ العَاصِي -الَّذِي قَصَّرَ فِيهِ هَذَا الأَخِيرُ-، فَيَكُونُ الإِحْبَاطُ جُزْئِيًّا مِنْ بَابِ العُقُوبَةِ عَلَى ذَلِكَ التَّأَلِّي.

٣ - أَنَّ هَذَا الحُكْمَ كَانَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا؛ وَجَاءَ شَرْعُنَا بِخِلَافِهِ (٢).

وَفِي الحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ عَلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَضْحَكُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ، فَقَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيتُمْ كَثِيرًا))، ثُمَّ انْصَرَفَ وَأَبْكَى القَوْمَ، وَأَوْحَى اللَّهُ ﷿ إِلَيهِ: ((يَا مُحَمَّدُ؛ لِمَ تُقَنِّطُ عِبَادِي؟!) فَرَجَعَ النَّبِيُّ فَقَالَ: ((أَبْشِرُوا، وَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا)) (٣).


(١) قَالَ فِي تَاجِ العَرُوسِ (٢٨/ ٥٠٢): "الأَدَلُّ: المَنَّانُ بعَمَلِهِ".
(٢) يُنْظَرُ: شَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ (١٦/ ١٧٤)، والقَولُ المُفِيدُ (٢/ ٥٠١).
(٣) صَحِيحٌ. الأَدَبِ المُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (٢٥٤). الصَّحِيحَةُ (٣١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>