للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْحُ

- قَولُهُ: (مُنْكِرِي): أَصْلُهُ مُنْكِرِينَ، وَلَكِنْ حُذِفَتِ النُّونُ لِلإِضَافَةِ.

- قَولُهُ: (القَدَر) (١): هُوَ تَقْدِيرُ اللهِ ﷿ لِلكَائِنَاتِ، وَهُوَ سِرُّ مَكْتُومٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ أَو مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ مِنْ خَلْقِهِ (٢).

وَالقَدَرُ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَينِ (٣):

١ - التَّقْدِيرِ؛ أَي: إِرَادَةُ اللهِ ﷿ الشَّيءَ.

٢ - المُقَدَّرِ؛ أَي: مَا قَدَّرَهُ اللهُ ﷿ أَنْ يَكُونَ.

- مُنَاسَبَةُ البَابِ لِكِتَابِ التَّوحِيدِ أَنَّ الإِيمَانَ بِالقَدَرِ مُتَعَلِّقٌ بِتَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَبِتَوحِيدِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَلَا يَصِحُّ إِيمَانُ عَبْدٍ أَصْلًا حَتَّى يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ، وَالإِيمَانُ بِالقَدَرِ هُوَ إِيمَانٌ بِكَمَالِ صِفَاتِ اللهَ تَعَالَى.

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ : "القَدَرُ قُدْرةُ اللهِ ﷿ عَلَى العِبَادِ" (٤).


(١) القَدَرُ لُغَةً: هُوَ القَضَاءُ وَالحُكْمُ؛ وَمِنْهُ لَيلَةُ القَدْرِ: أَي: لَيلَةُ التَّقْدِيرِ؛ وَيُمْكِنُ أَيضًا: اللَّيلَةُ ذَاتُ الشَّأْنِ.
(٢) كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى عَنِ الخَضِرِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ عِلَّةَ أَفْعَالِهِ: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكَهْف: ٨٢].
(٣) وَهَذَا لِكَونِ العَرَبِ تُطْلِقُ الاسْمَ عَلَى الفِعْلِ وَعَلَى المَفْعُولِ. وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِهَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ.
(٤) أَخْرَجَهُ الخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةُ (٣/ ٥٤٤)، وَتَمَامُهُ "أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ سُئِلَ عَنِ القَدَرِ؛ فَقَالَ: القَدَرُ قُدْرَةُ اللهِ ﷿ عَلَى العِبَادِ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنْ زَنَى فَبِقَدَرٍ؛ وَإِنْ سَرَقَ فَبِقَدَرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، اللهُ قَدَّرَهُ عَلَيهِ".
قُلْتُ: وَالمُرَادُ بِهَذَا بَيَانُ كَمَالِ رُبُوبِيَّةِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ شَيءٌ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ؛ لَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَرَادَ مِنْهُ شَرْعًا ذَلِكَ! وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ إِرَادَةِ العَبْدِ وَهُوَ خَالِقُ آلَاتِهِ، وَبِهِمَا يَقَعُ الفِعْلُ مِنَ العَبْدِ، وَلَو شَاءَ اللهُ لَصَرَفَ نِيَّتَهُ وَإِرَادَتَهُ، ولَمَنَعَهُ العَمَلَ أَصْلًا، وَلَكِنْ قَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ فِي ذَلِكَ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١]. وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِهَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>