للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: حَدِيثُ الضَّرِيرِ.

أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيفٍ؛ أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ البَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ ، فَقَالَ: اُدْعُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَني. قَالَ: ((إِنْ شِئْتَ دَعَوتُ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَاكَ؛ فَهوَ خَيرٌ) وَفِي رِوَايَةٍ: ((وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهوَ خَيرٌ لَكَ) فَقَالَ: ادْعُهُ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ؛ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَين، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتُقْضَى لِي، اللَّهُمَّ؛ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ))، فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرِئَ (١).

فَيَرَى المُخَالِفُونَ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ فِي الدُّعَاءِ بِالجَاهِ أَوِ الذَّاتِ!

الجَوَابُ: إِنَّ هَذَا التَّوَسُّلَ لَيسَ تَوَسُّلًا بِالذَّاتِ وَالجَاهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَوَسُّلٌ بِالدُّعَاءِ، وَهُوَ النَّوعُ الثَّالِثُ المَشْرُوعُ، وَتَدُلُّ لِذَلِكَ أُمُورٌ:

١ - أَنَّ الأَعْمَى إِنَّمَا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ لِيَدْعُوَ لَهُ، وَذَلِكَ مِنْ قَولِهِ: ((اُدْعُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَنِي))، وَلَو كَانَ قَصْدُ الأَعْمَى التَّوَسُّلَ بِذَاتِ النَّبِيِّ أَو جَاهِهِ أَو حَقِّهِ لَمَا كَانَ ثَمَّةَ حَاجَةٍ بِهِ إِلَى أَنْ يَأْتيَ النَّبِيَّ وَيَطْلُبَ مِنْهُ الدُّعَاءَ لَهُ! بَلْ كَانَ الأَولَى لَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي بَيتِهِ وَيَدْعُوَ رَبَّهُ بِهِ (٢).


(١) صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٣٥٧٨)، وَأَحْمَدُ (١٧٢٤١) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيفٍ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (١٢٧٩).
(٢) وَلَكِنَّهُ لَم يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ يَفْهَمُ مَعْنَى التَّوَسُّلِ فِي لُغَةِ العَرَبِ حَقَّ الفَهْمِ، وَيَعْرِفُ أَنَّهُ لَيسَ كَلِمَةً يَقُولُهَا صَاحِبُ الحَاجَةِ يَذْكُرُ فيهَا اسْمَ مَنْ يَتَوَسَّلُ بِهِ! بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى المَجِيءِ إِلَى مَنْ يَعْتَقِدُ فِيهِ الصَّلَاحَ وَالعِلْمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَيَطْلُبُ مِنْهُ الدُّعَاءَ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>