للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مَا الجَوَابُ عَنْ بَعْضِ الآثَارِ الَّتِي فِيهَا شُبْهَةُ التَّبَرُّكِ بِالأَمَاكِنِ؟ كَمِثْلِ:

مَا فِي البُخَارِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: رَأَيتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ (١).

وَمَا فِي المُتَّفَقِ عَلَيهِ: أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَومَهُ -وَهُوَ أَعْمَى-، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ : يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ، فَصَلِّ -يَا رَسُولَ اللهِ- فِي بَيتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلَّى. فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ ، فَقَالَ: ((أَينَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟)) فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ البَيتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ (٢).

الجَوَابُ:

١ - أَنَّ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ لَيسَ فِيهِ التَّبَرُّكُ بِالمَكَانِ، وَإِنَّمَا فِيهِ دِلَالَةٌ عَلَى شِدَّةِ الاقْتِدَاءِ وَالمُتَابَعَةِ وَالتَّشَبُّهِ، فَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى بَرَكَةِ الاقْتِدَاءِ، لَا عَلَى بَرَكَةِ المَكَانِ (٣).

فَفَرْقٌ بَينَ النيَّتِينِ، نِيَّةِ التَّبرُّكِ بِالمَكَانِ وَالتِمَاسِ الخَيرِ فِي البُقْعَةِ، وَبَينَ نيَّةِ الاقْتِدَاءِ بِالأَفْعَالِ، فَابْنُ عُمَرَ لَمْ يَنْظُرْ إِلَى المَكَانِ، وَإِنَّمَا نَظَرَ إِلَى الفِعْلِ الَّذِي جَرَى عِنْدَهُ.


(١) صَحِيحُ البُخَارِيِّ (٤٨٣).
(٢) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٦٦٧)، وَمُسْلِمٌ (١/ ٤٥٥).
(٣) وَفِي سُنَنِ البَيهَقِيِّ الكُبْرَى (١٠٣٠١): عَنْ نَافِعٍ؛ قَالَ: رَأَيتُ ابْنَ عُمَرَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ عَلَى نَاقَتِهِ رَدَّهَا هَكَذَا وَهَكَذَا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ عَلَى نَاقَتِهِ. فَقُلْتُ: لَعَلَّ خُفِّي يَقَعُ عَلَى خُفِّهِ.
وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ العُكْبرِيُّ فِي الإِبَانَةِ الكُبْرَى (١/ ٢٦٢): عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ؛ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ اللهَ ﷿ قَدْ أَوسَعَ، وَالبُرُّ أَفْضَلُ مِنَ التَّمْرِ. قَالَ: (إِنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا؛ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ).

<<  <  ج: ص:  >  >>