للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعَ هَذَا فَمَا يُؤْمَنُ مِنَ الفِتْنَةِ عَلَى مِثْلِ ابْنِ عُمَرَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى مِثْلِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُم مِمَّنْ لَا يَعْرِفُونَ الجَاهِلِيَّةَ وَالشِّرْكَ، كَمَا نُقِلَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ﵁: (إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً؛ إِذَا نَشَأَ فِي الإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الجَاهِلِيَّةَ) (١) (٢).

٢ - أَنَّ هَذَا الفِعْلَ هُوَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ ﵁ عَنْ بِاقِي الصَّحَابَةِ، بَلْ خَالَفَهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ -أَبُوهُ ﵁ كَمَا مرَّ مَعَنَا قَبْلَ قَلِيلٍ- وَقَولُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى رَأْي ابْنِهِ عِنْدَ الخِلَافِ بِاتِّفَاقٍ (٣)، كَمَا فِي حَدِيثِ العِرْبَاضِ: ((فَعَلَيكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ


(١) أَورَدَهُ ابْنُ القَيِّمِ ﵀ فِي كِتَابِهِ الفَوَائِدُ (ص ١٠٩).
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ فَتْحُ البَارِي (٣/ ٤٢٧): "وَقَدْ رَخَّصَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وكَرِهَ مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الغُلُوِّ وَالإِفْرَاطِ وَالأَشْيَاءِ المُحْدَثَةِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرِيعَةِ".
وَقَالَ أَيضًا ﵀: "وَقَدْ نَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ القَاسِمِ وَسِنْدِيُّ الخَوَاتِيمِيُّ، عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ؛ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ إِتْيَانِ هَذِهِ المَسَاجِدِ؟ فَقَالَ: أَمَّا عَلَى حَدِيث ابْنِ أُمِّ مَكْتُوم: أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيتِهِ فَيَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، وَعَلَى مَا كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ -يَتَّبُعُ مَوَاضِعَ النَّبِيِّ وأثَرَهُ؟ - فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْتيَ الرَّجُلُ المَشَاهِدَ، إِلَّا أَنَّ النَّاسَ قَدْ أَفْرَطُوا فِي هَذَا، وَأَكْثَرُوا فِيهِ".
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ القَاسِمِ: أَنَّ أَحْمَدَ ذَكَرَ قَبْرَ الحُسَينِ وَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ عِنْدَهُ -يَعْنِي: مِنَ الأُمُورِ المَكْرُوهَةِ المُحْدَثَةِ-، وَهَذَا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الإِفْرَاطَ فِي تَتَبُّعِ مِثْلِ هَذِهِ الآثَارِ يُخْشَى مِنْهُ الفِتْنَةُ، كَمَا كُرِهَ اتِّخَاذُ قُبُورِ الأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ، وَقَدْ زَادَ الأَمْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ حَتَّى وَقَفُوا عِنْدَهُ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ كَافٍ لَهُم، وَاطَّرَحُوا مَا لَا يُنْجِيهِم غَيرُهُ؛ وَهُوَ طَاعَةُ اللهِ وَرَسُولِهِ".
(٣) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ فَتْحُ البَارِي (٣/ ١٨٠) نَقْلًا عَنِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ فِي كِتَابِهِ الاسْتِذْكَارُ (٢/ ٣٦١): "وَقَالَ: ذَكَرَ مَالِكُ بِإِثْرِ هَذَا الحَدِيثِ -أَي: حَدِيثِ المَعْرُورِ عَنْ عُمَرَ فِي النَّهْي عَنْ تتبُّعِ الآثَارِ- حَدِيثَ عِتْبَان بْنِ مَالِكٍ؛ لِيُبَيِّنَ لَكَ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الحَدِيثَ مُخَالِفٌ لِلذِي قَبْلَهُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>