للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّاشِدِينَ المّهْدِيِّينَ)) (١) (٢).

٣ - وَأَمَّا حَدِيثُ عِتْبَانَ ؛ فَالمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّ عِتْبَانَ أَرَادَ بِنَاءَ مَسْجِدٍ لِحَاجَتِهِ إِلَيهِ، فَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مَوضِعًا -يُصَلِّي لِهُ فِيهِ النَّبِيُّ مِنْ بَيتِهِ لِيَكُونَ النَّبِيُّ هُوَ الَّذِي رَسَمَ ذَلِكَ المَسْجِدَ، كَمَا أنَّه بَنَى مَسْجِدَ قُبَاء وَمَسْجِدَهُ هُوَ. فَالمَقْصُودُ إِذًا هُوَ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ المَكَانُ مَشْرُوعِيَّةَ كَونِهِ مَسْجِدًا (٣).

٤ - أَنَّ كُلَّ خِيرٍ فِي اِتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ، وَكُلَّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفَ، فِإِنَّ طُرُقَ مَكَّةَ وَالمَدِينَة كُلَّهَا كَانَتْ مَمْشَى لِلنَّبِيِّ ؛ وَمَعْ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدِي أَصْحَابِ


(١) صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٢٦٧٦). صَحِيحُ الجَامِعِ (٢٥٤٩).
(٢) قَالَ البَغَوِيُّ فِي كِتَابِهِ شَرْحُ السُّنَّةِ (١/ ٢٠٧) -عِنْدَ شَرْحِ حَدِيث العِرْبَاضِ-: "وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الوَاحِدَ مِنَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إِذَا قَالَ قَولًا -وَخالَفَهُ غَيرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ-؛ كَانَ المَصِيرُ إِلَى قَولِهِ أَولَى، وَإِلَيهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي القَدِيمِ".
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ (٢/ ١٢٥) -فِي شَرْحِ نَفْسِ الحَدِيثِ-: "وَبِكُلِّ حَالٍ، فَمَا جَمَعَ عُمَرُ عَلَيهِ الصَّحَابَةَ -فَاجْتَمَعُوا عَلَيهِ فِي عَصْرِهِ-؛ فَلَا شَكَّ أَنَّه الحَقُّ وَلَو خَالَفَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ خَالَفَ".
(٣) كَمَا فِي قِصَّةِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ الَّذِي بَنَاهُ المُنَافِقُونَ، وَأَرَادُوا مِنَ النَّبِيِّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لِيَكُونَ مَشْرُوعًا لَهُم وَلِغَيرِهِم الاجْتِمَاعُ فِيهِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ (٤/ ٢١١) -عِنْدَ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ [التَّوبَة: ١٠٨]-: "فَشَرَعُوا فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ مُجَاوِرٍ لِمَسْجِدِ قُبَاء، فَبَنَوهُ وَأَحْكَمُوهُ، وَفَرَغُوا مِنْهُ قَبْلَ خُرُوجِ النَّبِيِّ إِلَى تَبُوكٍ، وَجَاءُوا فَسَأَلُوا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيهِم فَيُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِهِم -لِيَحْتَجُّوا بِصَلَاتِهِ فِيهِ عَلَى تَقْرِيرِهِ وَإِثْبَاتِهِ-، وَذَكَرُوا أَنَّهُم إِنَّمَا بَنَوهُ لِلضُّعَفَاءِ مِنْهُم وَأَهْلِ العِلَّةِ فِي اللَّيلَةِ الشَّاتِيَةِ، فعَصَمَهُ اللهُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ فَقَالَ: ((إنَّا عَلَى سَفَرٍ، وَلَكِنْ إِذَا رَجَعْنَا إِنْ شَاءَ اللهُ)). وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ".

<<  <  ج: ص:  >  >>