للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيِّ أَنْ يَتَبَرَّكُوا بِالطُّرُقِ وَغَيرِهَا! فَالمَقْصُودُ مِنْ هَذَا أَنَّ السَّلَفَ -سَلَفَ الأُمَّةِ- كَانُوا يُنْكِرُونَ التَّبَرُّكَ بِالآثَارِ المَكَانِيَّةِ، وَيُنْكِرُونَ تَحَرِّيهَا وَالتَّعَلُّقَ بِهَا رَجَاءَ بَرَكَتِهَا، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا ابْنُ عُمَرَ ؛ فَقَدْ كَانَ يَتَتَبَّعُ الأَمَاكِنَ الَّتِي صَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللهِ فَيُصَلِّي حَيثُ صَلَّى وَنَحْو ذَلِكَ. وَمَا نُقِلَ نَقْلٌ مُصَدَّقٌ عَنْ غَيرِ ابْنِ عُمَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ فِي الآثَارِ المَكَانِيَّةِ (١).

قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ : "وَلَو كَانَ هَذَا مُسْتَحَبًّا؛ لَكَانَ يُسْتَحَبُّ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنْ يُصَلُّوا فِي جَمِيعِ حُجَرِ أَزْوَاجِهِ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ نَزَلَ فِيهِ فِي غَزَوَاتِهِ أَوْ أَسْفَارِهِ، وَلَكَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْنُوا هُنَاكَ مَسَاجِدَ! وَلَمْ يَفْعَلِ السَّلَفُ شَيئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَشْرَعِ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ مَكَانًا -يُقْصَدُ لِلصَّلَاةِ- إلَّا الْمَسْجِدَ؛ وَلَا مَكَانًا -يُقْصَدُ لِلعِبَادَةِ- إلَّا المَشَاعِرَ" (٢).


(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٣/ ٤٢٨): "وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ مَشْهُورًا بِتَتَبُّعِ آثَارِ النَّبِيِّ ، وَمِنْ ذَلِكَ صَلَاتُهُ فِي المَوَاضِعِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا. وَهِيَ عَلَى نَوعَينِ:
أَحَدِهِمَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ يَقْصُدُهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، كَمَسْجِدِ قُبَاءَ، وَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي مَوضِعِهِ مِنَ الكِتَابِ؛ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: مَا صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ اتِّفَاقًا لِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ لَهُ عِنْدَهُ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَصَّ ابْنُ عُمَرَ بِإِتِّبَاعِهِ".
قُلْتُ: وَقَولُ الحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ (اخْتَصَّ) فِيهِ بَيَانُ تَفَرُّدِ ابْنِ عُمَرَ دُونَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ بِهَذَا الفِعْلِ -خَاصَّةً أَبُوهُ الفَارُوقُ-كَمَا سَبَقَ.
(٢) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (٢٧/ ٥٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>