للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الشُّبْهَةُ الثَّامِنَةُ: الطَّلَبُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَالغَائِبِينَ لَا يُسَمَّى دُعَاءً بَلْ هُوَ نِدَاءٌ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ عَنْ دُعَاءِ الأَمْوَاتِ فَقَط؛ وَلَيسَ عَنْ نِدَائِهِم!

الجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوجُهٍ:

١ - إِنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى اللُّغَةِ؛ فَالنِّدَاءُ هُوَ الدُّعَاءُ، وَلَكِنَّ الفَرْقَ بَينَهُمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ رَفْعِ الصَّوتَ وَخَفْضِهِ، وَلَيسَ مِنْ جِهَةِ حَقِيقَةِ المَعْنَى!

قَالَ أَبُو الهِلَالِ العَسْكَرِيُّ فِي كِتَابِهِ (مُعْجَمُ الفُرُوقِ اللُّغَوِيَّةِ): "الفَرْقُ بَينَ النِّدَاءِ وَالدُّعَاءِ: أَنَّ النِّدَاءَ هُوَ رَفْعُ الصَّوتِ بِمَا لَهُ مَعْنًى، وَالعَرَبِيُّ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: نَادِ مَعَي؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَنْدَى لِصَوتِنَا، أَي: أَبْعَدَ لَهُ، وَالدُّعَاءُ يَكُونُ بِرَفْعِ الصَّوتِ وَخَفْضِهِ، يُقَالُ: دَعَوتُهُ مِنْ بَعِيدٍ وَدَعَوتُ اللهَ فِي نَفْسِي، وَلَا يُقَالَ: نَادَيتُهُ فِي نَفْسِي" (١).

٢ - إِنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ؛ فَقَدْ سَمّى اللهُ تَعَالَى النِّدَاءَ دُعَاءً فِي كَثِيرٍ مِنَ المَوَاضِعِ، وَإِلَيكَ بَعْضَهَا:

قَالَ تَعَالَى عَنْ نَوحٍ : ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القَمَر: ١٠]، وَقَالَ أَيضًا: ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّينَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ [الأَنْبِيَاء: ٧٦].

وَقَالَ عَنْ زكَرِيَّا : ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مَرْيَم: ٣]، وَقَالَ أَيضًا: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ [آلِ عِمْرَان: ٣٨].

وَقَالَ عَنْ يُونُسَ : ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ


(١) مُعْجَمُ الفُرُوقِ اللُّغَوِيَّةِ (ص ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>