الرَّاحِمُ لِعِبَادِهِ. وَلِهَذَا يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأَحْزَاب: ٤٣]، وكَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التَّوبَة: ١١٧]، وَلَمْ يَجِئْ: رَحْمَنٌ بِعِبَادِهِ! وَلَا رَحْمَنٌ بِالمُؤْمِنِينَ! مَعَ مَا فِي اسْمِ الرَّحْمَنِ -الَّذِي هُوَ عَلَى وَزْنِ فَعْلَانَ- مِنْ سَعَةِ هَذَا الوَصْفِ وَثُبُوتِ جَمِيعِ مَعْنَاهُ المَوصُوفِ بِهِ! أَلَا تَرَى أَنَّهُم يَقُولُونَ: "غَضْبَانُ" لِلمُمْتَلِئِ غَضَبًا؛ وَنَدْمَانُ وَحَيرَانُ وَسَكْرَانُ وَلَهْفَانُ لِمَنْ مُلِئَ بِذَلِكَ؟! فَبِنَاءُ فَعْلَانَ لِلسَّعَةِ وَالشُّمُولِ، وَلِهَذا يُقْرَنُ اسْتِوَاءُهُ عَلَى العَرْشِ بِهَذا الاسْمِ كَثِيرًا كَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طَه: ٥]، فَاسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ باسْمِ الرَّحْمَنِ، لِأَنَّ العَرْشَ مُحِيطٌ بِالمَخْلُوقَاتِ قَدْ وَسِعَهَا؛ وَالرَّحْمَةُ مُحِيطَةٌ بِالخَلْقِ وَاسِعَةٌ لَهُم كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ﴾ [الأَعْرَاف: ١٥٦] ".(١) كَمَا قَالَ صَاحِبُ تَفْسِيرِ الجَلَالَينِ (١/ ٢) عِنْدَ تَفْسِيرِ سُورَةِ الفَاتِحَةِ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ): "أَي ذِي الرَّحْمَةِ؛ وَهِيَ إِرَادَةُ الخَيرِ لِأَهْلِهِ".وَكَمَا قَالَ الشَّيخُ ابْنُ دَقِيق العِيد (ت ٧٠٢ هـ) رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وغَفَرَ لَهُ فِي شَرْحِ البَسْمَلَةِ مِنْ مُقَدِّمَةِ النَّوَوِيِّ ﵀ عَلَى الأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ (ص ١١): "وَالرَّحْمَنُ: العَامُّ الرَّحْمَةِ لِجَمِيعِ البَرِيَّةِ، وَالرَّحِيمُ: الخَاصُّ الرَّحْمَةِ لِلمُؤْمِنِينَ، وَأَصْلُ الرَّحْمَةِ انْعِطَافُ القَلْبِ وَالرِّقَةُ، وَهِيَ فِي حَقِّهِ ﷾ إِرَادَةُ الخَيرِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، أَو تَرْكُ العُقُوبَةِ لِمَنْ يَسْتَوجِبُهَا".وَبِمِثْلِهِ نَقَلَ النَّوَوِيُّ ﵀ في صِفَةِ المَحَبَّةِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (١٦/ ١٨٣) عِنْدَ بَابِ إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا أَمَرَ جِبْرِيلَ فَأَحَبَّهُ، وَأَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، فَقَالَ: "ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ، وَذَكَرَ في البُغْضِ نَحْوَهُ. قَالَ العُلَمَاءُ: مَحَبَّةُ اللهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ هِيَ إِرَادَتُهُ الخَيرَ لَهُ وَهِدَايَتُهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَيهِ"!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute