للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْحُ

- مُنَاسَبَةُ البَابِ مَعَ البَابِ المَاضِي؛ أَنَّهُ فِي البَابِ المَاضِي يُنْهَى عَنِ الذَّبْحِ لِغَيرِ اللهِ مِنْ جِهَةِ كَونِهِ شِرْكًا، فَهُوَ نَهْيٌ مِنْ جِهَةِ القَصْدِ، وَفِي هَذَا البَابِ يُنْهَى عَنِ الذَّبْحِ -وَلَو أَنَّهُ للهِ- مِنْ جِهَةِ المُشَابَهَةِ لِأَفْعَالِ المُشْرِكِينَ.

- سِيَاقُ الآيَةِ السَّابِقَةِ هُوَ: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَينَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التّوبة: ١٠٧ - ١٠٨].

قَالَ العَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ فِي التَّفْسِيرِ: "كَانَ أُنَاسٌ مِنَ المُنَافِقِينَ مِنْ أَهْلِ قُبَاء اتَّخَذُوا مَسْجِدًا إِلَى جَنْبِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ يُرِيدُونَ بِهِ المُضَارَّةَ وَالمُشَاقَّةَ بَينَ المُؤْمِنِينَ، وَيُعِدُّونَهُ لِمَنْ يَرْجُونَهُ مِنَ المُحَارِبِينَ للهِ وَرَسُولِهِ يَكُون لَهُم حِصْنًا عِنْدَ الاحْتِيَاجِ إِلَيهِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى خِزْيَهُم؛ وَأَظْهَرَ سِرَّهُم، فَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾ أَي: مُضَارَّةً لِلمُؤْمِنِين وَلِمَسْجِدِهِم الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، ﴿وَكُفْرًا﴾ أَي: قَصْدُهُم فِيهِ الكُفْرُ؛ إِذْ قَصَدَ غَيرُهُم الإِيمَانَ.

﴿وَتَفْرِيقًا بَينَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَي: لِيَتَشَعَّبُوا وَيَتَفَرَّقُوا وَيَخْتَلِفُوا، ﴿وَإِرْصَادًا﴾ أَي: إِعْدَادًا ﴿لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ أَي: إِعَانَةً لِلمُحَارِبِينَ للهِ وَرَسُولِهِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ حِرَابُهُم وَاشْتَدَّتْ عَدَاوَتُهُم، وَذَلِكَ كَأَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ؛ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ وَهَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ كَفَرَ بِهِ، وَكَانَ مُتَعَبِّدًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَذَهَبَ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>