للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُشْرِكِينَ يَسْتَعِينُ بِهِم عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ .

فَلَمَّا لَمْ يُدْرِكْ مَطْلُوبَهُ عِنْدَهُم ذَهَبَ إِلَى قَيصَرَ -بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَنْصُرُهُ-، فَهَلَكَ اللَّعِينُ فِي الطَّرِيقِ، وَكَانَ عَلَى وَعْدٍ وَمُمَالَأَةٍ هُوَ وَالمُنَافِقُونَ، فَكَانَ مِمَّا أَعَدُّوا لَهُ مَسْجِدَ الضِّرَارِ، فَنَزَلَ الوَحْيُ بِذَلِكَ، فَبَعَثَ إِلَيهِ النَّبِيُّ مَنْ يَهْدِمُهُ وَيَحْرِقُهُ، فَهُدِمَ وحُرِقَ، وَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مَزْبَلَةً.

قَالَ تَعَالَى -بَعْدَمَا بَيَّنَ مِنْ مَقَاصِدِهِم الفَاسِدَةِ فِي ذَلِكَ المَسْجِدِ-: ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا﴾ فِي بِنَائِنَا إِيَّاهُ ﴿إِلَّا الْحُسْنَى﴾ أَي: الإِحْسَانَ إِلَى الضَّعِيفِ وَالعَاجِزِ وَالضَّرِيرِ ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فَشَهَادَةُ اللهِ عَلَيهِم أَصْدَقُ مِنْ حَلِفِهِم.

﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ أَي: لَا تُصَلِّ فِي ذَلِكَ المَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ضِرَارًا أَبَدًا، فَاللهُ يُغْنِيكَ عَنْهُ، وَلَسْتَ بِمُضْطَرٍّ إِلَيهِ، ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ ظَهَرَ فِيهِ الإِسْلَامُ فِيهِ -وَهُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ- أُسِّسَ عَلَى إِخْلَاصِ الدِّينِ للهِ، وَإِقَامَةِ ذِكْرِهِ وَشَعَائِرِ دِينِهِ، وَكَانَ قَدِيمًا فِي هَذَا عَرِيقًا فِيهِ؛ فَهَذَا المَسْجِدُ الفَاضِلُ ﴿أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ وَتَتَعَبَّدَ وَتَذْكُرَ اللهَ تَعَالَى، فَهُوَ فَاضِلٌ وَأَهْلُهُ فُضَلَاءُ، وَلِهَذَا مَدَحَهُم اللهُ بِقَولِهِ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ مِنَ الذُّنُوبِ وَيَتَطَهَّرُوا مِنَ الأَوسَاخِ وَالنَّجَاسَاتِ وَالأَحْدَاثِ" (١).

- قَولُهُ: ((لَا يُذْبَحُ للهِ)) هَذَا مِنَ النَّفْي المُشْتَمِلِ عَلَى النَّهْي، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ مُجَرَّدِ النَّهْي، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أنْ يَقَعَ أَصْلًا.


(١) تَفْسِيرُ السَّعْدِيِّ (ص ٣٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>